www.ataleb.net
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
ataleb
Admin
عدد المساهمات : 2910
تاريخ التسجيل : 08/02/2014
https://achamel.ahladalil.com

درس التاريخ Empty درس التاريخ

الثلاثاء أبريل 15, 2014 1:34 am
التاريخ
محاور الدرس
1) المعرفة التاريخیة.
2) التاريخ و فكرة التقدم.
3) دور الإنسان في التاريخ.
تقديم:
ما التاريخ؟ لقد حدده ابن خلدون بأنه جزء من الاجتماع الإنساني الذي ھو عمران
العالم، وما يعرض بطبیعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش و التأنس و
العصبیات و أصناف التقلبات للبشر بعضھم على إلى بعض، وما ينشأ عن ذلك من
الملك والدول ومراتبھا وما ينتحله البشر بأعمالھم ومساعیھم من الكتب والمعاش
والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبیعته من الأحوال. (مقدمة
ابن خلدون)
وانطلاقا من ھذا التحديد يتضح، أن التاريخ يشكل ذاكرة الإنسانیة التي تختزل
أفكارھا و انجازاتھا ونشاطاتھا، ويھتم أيضا بدراسة ماضیھا من خلال مجتمع ما أو
حضارة ما، حیث يعمل على تسلیط الضوء على ذلك الجانب المظلم في حیاة
الكائن البشري ألا وھو الماضي.
ولعل ھذا ما دفع بالمھتمین بالتاريخ إلى إعطاء أھمیة قصوى للماضي باعتباره
شرطا أساسیا لفھم الحاضر و أرضیة انطلاقا أيضا من أجل تصور المستقبل، لیتضح
من خلال ذلك أن مفھوم التاريخ غالبا ما يتم ربطه بمفھوم الزمن حیث لا يمكن
تصور التاريخ إلا في العلاقة بالأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر ثم المستقبل.
كما أن مفھوم التاريخ يختلف عن مجموعة من المفاھیم القريبة منه مثل
التأريخ وفلسفة التاريخ، فإذا كان التاريخ ھو علم بحقیقة الأحداث الماضیة فإن
التأريخ ھو عملیة يقوم بھا المؤرخ من أجل تسجیل و رصد الأحداث التي يعیشھا.
وكما أن التاريخ يختلف عن التأريخ، فإن ھذين الأخیرين يختلفان عن فلسفة
التاريخ. فرق لتحديده بدقة يجب الوقوف على مھمة كل من المؤرخ والفیلسوف
بالرغم من انخراطھما في سؤال الغاية من كتابة التاريخ، نجد الفیلسوف سیعود
على البحث عن ھدف أو غاية التاريخ من خلال تحديد العوامل الأساسیة المؤثرة
في سیر الوقائع التاريخیة. باعتباره (التاريخ) شكل ماھیة الإنسان وھو الذي يمیزه
عن الكائنات الأخرى الإنسان كائن تاريخي).
بینما نجد المؤرخ يتعامل مع التاريخ باعتباره تحقیق وسرد لما جرى فعلا في
( الماضي. (النص عبد الله العروي مقرر الرحاب ص 46
وعلى ضوء ذلك اعتبر عبد الله العروي الفیلسوف ھو عاشق الحقیقة
الدائمة. بینما المؤرخ ھوراوي الحدث العابر فھما يتعارضان و يتكاملان
باستمرار .لكن أين يتجلى الاختلاف بین المؤرخ و الفیلسوف في التعاطي
مع المعرفة التاريخیة؟وكیف تبنى تلك المعرفة ؟ وھل التاريخ ثابت و
مستقر أم تحكه دينامیة التقدم؟ و ھل للإنسان دور في التاريخ؟ھل يمكن
أن نعتبره صانعا للتاريخ؟
-1 المعرفة التاريخیة
إن التطرق لموضوع المعرفة التاريخیة يثیر إشكالا منھجیا يتعلق
بالماضي الذي انقضى وولى و التعامل معه في الوقت ذاته كموضوع
للمعرفة، و من ثمة فكیف يمكن الحكم على المعرفة التاريخیة؟.
يؤكد ريمون أرون على أن المعرفة التاريخیة ھي معرفة نسبیة. لأنھا
لا يمكن أن تدرك الماضي بصفة نھائیة مادام أنه لاوجود لماض خالص،
فكل ماضي ھو ماض مستحضر ومعرفته لا تتأتى إلا عبر البحث و التنقیب و
التحقیق. كما أن المعرفة التلقائیة التي نعرفھا بطريقة مباشرة ھي سمة
أساسیة لواقعنا الذي نعیش فیه، بحكم أننا نفھم جمیع دلالاته. في حین
أن المجتمعات التي عاشت قبلنا لا يتسنى لنا أن نعرف دلالاتھا دون توسط
منھج المؤرخ و بدلك تنعدم شروط المعرفة التلقائیة بھا . بالإضافة إلى
كون تجربتنا في الماضي لايمكن أن تكون ھي تجربتنا في الحاضر. وانطلاقا
من دلك فالمعرفة ھي إعادة بناء لما كان موجودا ولم يعد وھي عملیة
تخص زمانا و مكانا محددين. (نص رقم 2 ص 48 من مقرر الرحاب)
أما بالنسبة لبول ريكور فالاعتماد على الآثار والوثائق الخاضعة للمساءلة
والاستنطاق من طرف المؤرخ تعتبر موقفا موضوعیا وعملا منھجیا يجعل من الأثر
التاريخي وثیقة دالة, يصبح من خلالھا المؤرخ ممتلكا للقدرة على بناء الوقائع
التاريخیة بالاعتماد على الوثائق والملاحظة المنھجیة. ومن ھنا فالواقعة التاريخیة
لا تختلف عن الواقعة العلمیة وھنا تكمن الموضوعیة كنتیجة للممارسة المنھجیة
(نص رقم 1 ص 47 من مقرر الرحاب ).
و انطلاقا مما سبق ھل يمكن الاعتماد على المعرفة التاريخیة كشرط لفھم
الحاضر وتصور المستقبل ؟
1920 ) من نقطة أساسیة تعتبر كمدخل من أجل – ينطلق ماكس فیبر ( 1864
التعاطي مع المعرفة التاريخیة كمؤشر لتصور مستقبل الإنسانیة. فالواقع
الإمبريقي ( التجريبي ) يتمیز باللامحدودية بحكم كثافته ولا نھائیته, فلذلك لا
يمكن لأية عدة منھجیة أن تشمل ذلك الواقع في كلیته.
إن المؤرخ لا يمكن أن يتأتى له معرفة الماضي بصفة نھائیة, ذلك أن الأسباب
التي يعتمدھا لتفسیر الواقعة التاريخیة ستبقى منتقاة انطلاقا من علاقة المؤرخ
بالقیم. كما أن السببیة التاريخیة بالنسبة لماكس فیبر ھي سببیة تحلیلیة,
متفردة وجزئیة احتمالیة, ويبقى العمل المنھجي للمؤرخ محددا لھذه المعرفة
.
-2 التاريخ وفكرة التقدم:ھل منطق التاريخ يحكمه التقدم أم التكرار؟ ھل ھو تقدم محكوم بحتمیة
معینة أم أنه يسیر بشكل تلقائي؟ لقد قالھیغل : " إن كل ما ھو عقلي فھو
واقعي وكل ما ھو واقعي فھو عقلي ". فالواقع في كلیته معقول, لأنه لیس شیئا
آخر سوى العقل متجسدا أو حالا في روح ھذا الشعب أو ذلك من الشعوب التي
عرفھا التاريخ. فحركة التاريخ ھي حركة متصاعدة ومتقدمة نحو الوعي المطلق
الذي يتحقق دون وعي البشر وذلك حسب إيقاع ديالكتیكي يقع على مستوى
الأفكار انطلاقا من الأطروحة (الوجود المطلق) إلى نقیضھا (اللاوجود أو العدم)
وصولا إلى التركیب ( الصیرورة ). وھذه ھي النقطة التي سوف ينطلق منھاكارل
ماركس في انتقاده للصیرورة الھیجیلیة المثالیة والمجردة. وبذلك سیرفض
ماركس ما اعتقده ھیجل تفسیر عقلاني للتاريخ. فأنزل دلك الجدل الذي
اعتمده ھیجل على مستوى الأفكار إلى أرض الواقع, لیصبح التاريخ ھو تاريخ
الإنسان العامل والمنتج ولیس تاريخا يستعرض مراحل تطور الأفكار. ومن ثمة
فالتفسیر العقلاني العلمي والجدلي للتاريخ يجب أن يطلب في الواقع الاقتصادي
أو ما يسمیه ماركس بالبنیة التحتیة والتي تتألف من :
1/ قوى الإنتاج : مجموع الأدوات والوسائل التي ينتج بھا الإنسان ما يحتاج
إلیه (العمال, الآلات, الأرض.....).
2/ علاقات الإنتاج : العلاقات التي تربط بین الناس أثناء عملیة الإنتاج المادي.
3/ نمط الإنتاج : مجموع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.
ويرى ماركس أن التغیر الذي يطرأ على قوى الإنتاج يصطدم غالبا بعلاقات
الإنتاج التي لا تستوعب في بداية الأمر التغیر الذي حصل على مستوى قوى
الإنتاج.
ومن ھنا يولد التناقض بین قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والذي يتولد علیه بشكل
جدلي " الصراع الطبقي " الذي يعتبره كارل ماركس بمثابة المحرك الأساسي
للتاريخ.
وما يطرأ من تغیرات على مستوى البنیة التحتیة ينعكس على البنیة الفوقیة
التي يدخل فیھا كارل ماركس كل أشكال الوعي المختلفة, مثل الوعي الديني
والأسطوري والفلسفي والفني والسیاسي والقانوني...
ويمیز ماركس بین التغیر الذي يقع على مستوى البنیة التحتیة الذي يتم
بسرعة بالمقارنة مع التغیر الذي يقع على مستوى البنیة الفوقیة. حیث لا يمكن
تحديده بالدقة التي يمكن تحديده بھا على مستوى البنیة التحتیة. ويسمى ھذا
التغیر الذي يربط بین التغیر في الأفكار و الفلسفات من جھة, وفي السیاسة من
جھة أخرى, وبما يطرأ من تغییر في الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالتفسیر
المادي للتاريخ والدي يخالف التفسیر المثالي كما كان لدى ھیغل. ( نص ماركس
رقم 3 ص 49 الرحاب)
إذن فالتاريخ البشري محكوم بتقدم ھو في حقیقته تتال لأنماط إنتاج تفھم
باعتبارھا مراحل تقود إلى بعضھا البعض عبر النفي انطلاقا من قوانین الجدل التي
تحكم الطبیعة والمجتمع والإنسان.
لكن إذا كان التاريخ قد اتخذ شكلا تقدمیا في البنیة الغربیة ھل ينطبق ذلك
على جمیع البني الأخرى؟
يرى كلود لیفي شتراوس أنه إذا أردنا أن نفھم الظواھر الاجتماعیة سواء
الخاصة بالشعوب المسماة بالبدائیة أوالمتحضرة، علینا أن نطرح المنھج التاريخي
جانبا، الذي يقوم بدراسة ماضي الظواھر وانطلاقا منھا يحاول تفسیر الحاضر. وطرح
كبديل عن ذلك انطلاقا من منھجه البنیوي ما يسمى بالدراسة الاستاتیكیة
السانكرونیة وھي دراسة تھتم بدراسة بنیة ثقافیة معینة دون إيلاء اھتمام
لماضیھا أو وظیفتھا.
وانطلاقا من ذلك يرى لیفي شتراوس أن ھناك عنصرا مشتركا بین جمیع البشر
ألا وھو " اللاشعور البنیوي " باعتباره لا زماني ولا شخصي ولا سیكولوجي ولا
اجتماعي بل ھو عام وسابق عن مختلف العوامل الأخرى.
والتاريخ ماھو إلا تجل واستعراض للاشعور البنیوي في أشكال ومظاھر متنوعة،
كما أنه خفي وغیر معطى مباشرة في الأنظمة الاجتماعیة والثقافیة. وبذلك سوف
يعتبر البنیويون النزعة التاريخیة بمثابة عائق ابستمولوجي مادام أنه لكل بنیة
استقلالھا الخاص عن بقیة البنى. فلذلك لا يمكن لجمیع البنى أن يحكمھا نفس
المسار التاريخي.
لذلك ذھب میشال فوكو إلى القول بأن البنیوية سجلت نھاية التاريخ,
واعتبر بیاجي تصورھا للثقافة قد انتھى إلى موقف أفلاطوني في تصوره للمثل
والجواھر الثابتة الخالدة والمفصولة عن المحسوس والواقع الذي ما ھو إلا شبح
وظل لعالم المثل.
دور الإنسان في التاريخ :
إن التساؤل عن دور الإنسان في التاريخ ھو استمرار للتساؤل حول منطق التاريخ.
فھل يمكن اعتبار الإنسان بالفعل ھو صانع التاريخ ؟
بالنسبة لھیغل كما تطرقنا لذلك سابقا فھو يعتبر أن التطور ھو تطور الفكرة
التي تنطلق من البسیط إلى المعقد, ومن المجرد إلى العیني عن طريق صیرورة
تقودھا حسب منطق التطور. ھذه الفكرة تتحقق على يد أولئك الذين يدركون الروح
المطلقة كمبدأ عقلي يتجسد في التاريخ، وتدرك حقیقته عبر الفن والدين و
السیاسة. وھؤلاء ھم الذين يسمیھم ھیغلبعظماء التاريخ فدورھم في التاريخ ھو
تطبیق لفكرة وجدت قبل تواجدھم. ( نص ھیغل رقم 5 ص 51 مقرر الرحاب )
وھذا ما جعل ماركس ينطلق حیث انتھى ھیغل. فالإنسان
بالنسبة لماركس ھو صانع التاريخ عبر فلسفة البراكسیس ( الفلسفة العملیة )
التي تتجلى من خلال الصراع الطبقي المحرك الجوھري للتاريخ
ذلك ما سوف يعترض علیه میرلوبونتي الذي حافظ على مسافة نقدية مع
الماركسیة في تصورھا للتاريخ حیث يصبح الإنسان منفذا لبرنامج محدد سلفا.
كما أن ربط ماركس للتغیر الإيديولوجي بتغیر يلحق البنیة التحتیة
جعل میرلوبونتي يفتح إمكانیة حدوث نضج إيديولوجي فجأة دون تھیئ للشروط
الموضوعیة كما أن عرضیة التاريخ يمكن أن تجعل جدلیته تنحرف عن الأھداف التي
اختارتھا لنفسھا، فلا تحل بذلك المشاكل التي تطرحھا. ( نص 4 میرلوبونتي ص 50
مقرر الرحاب ).
أما بالنسبة لجون بول سارتر فینطلق من الرسالة التي عرضھا فريدريك
1895 ) على ماركس والتي يقول فیھا " إن الناس يصنعون – انجلز ( 1820
تاريخھم بأنفسھم ولكن في وضع محدد يشرطھم ". متسائلا حول ما إذا كان
التاريخ ھو الذي يصنع الإنسان .إذن كیف يمكن أن نفھم أن الإنسان ھو صانع
التاريخ ؟
فالإنسان يكون في عھد الاستغلال نتاج منتوجه الخاص وفاعلا تاريخیا لا يمكن
اعتباره منتوجا . ھذا التناقض لا يعتبرهسارتر تابتا بل ينبغي فھمه في سیاق
حركة البراكسیس أي الممارسة. وھذا ھو ما سیضيء جملة انجلز حسب
سارتر،التي يقول فیھا إن الناس يصنعون تاريخھم ولیست الشروط الموضوعیة
السابقة ھي التي تصنع التاريخ.
ومن ثمة فإن سارتر يركز بشكل قوي على الإمكانیة المعطاة سلفا للإنجاز
لیتجاوز الإنسان وضعه لتحقیق مشروعه داخل حقل الممكنات الذي يعتبر ھو
مجموع الاحتمالات المتاحة أمام الإنسان بشكل موضوعي وذاتي يختار واحدة منھا
حسب وعیه وظروفه.
وبھذا المعنى يصبح الإنسان فاعلا تاريخیا وصانعا له بالمعنى الوجودي
والتاريخي ولیس بالمعنى الماركسي. ( نص 6 ص 52 مقرر الرحاب ).
-2 إعداد : مبارك كروم ، عزیز وارغي، محمد الدیاني
تقدیم
كیف نفھم الصیرورة التاریخیة للمجتمعات البشریة ؟ وبأي معنى تكون المعرفة بالتاریخ ممكنة ؟ وھل الإنسان فاعل تاریخي وصانع لھ أم أنھ خاضع لھ؟ وماھي
الرھانات التى یطرحھا التفكیر في التاریخ على مستوى الوجود الإنساني والمعرفة والقیم ؟ وھل یجب الاكتفاء في معرفة التاریخ بما ھو إنسانى فقط أم البحث عن الماضي العلمى
والفكري ؟
ھده جملة من التساؤلات جاء العدید من الفلاسفة لتسلیط الضوء علیھا باعتبار التاریج أو المعرفة التاریخیة جزء لایتجزء من الصناعة البشریة للإنسان ذاتھ ھذا الأخیر
الذى یحكمھ المنطق التاریخي الثلاثي :الماضي الحاضر المستقبل لكن الاختلاف الحاصل ھنا ھو نقطة التجاذب التي یقع فیھا المؤرخ الذي یرید أن یؤسس للفعل التاریخي وبدایاتھ
الأولى والفرق الموجود أیضا بین ما ھو تاریخي ثراثي حضاري وبین ماھو تاریخي علمي صرف .
تعددت المواقف وأیضا الأفكار ووجھات النظر الفلسفیة إلا انھ یمكن القول وحسب ما جاء في الكتب المدرسیة المقررة (المباھج المنار في الرحاب ) أن ھذه المواقف تحاول
أن تجعل المعرفة التاریخیة منحصرة في ما سماه العروي بالتأریخ أو ما أشار إلیھ ابن خلدون بعلم العمران بالإضافة للعملیات التى تھتم بسرد الأحداث والوقائع التاریخیة علاوة
على ربط التاریخ بالسیاسة حیث یصبح ھنا التاریخ معرفة. فما ھي حقیقة ھذه المعرفة ولماذا تطلب ؟
إن المجال الإشكالي لمفھوم التاریخ یتحدد إنطلاقا من بعد أساسي وھو الوجود الإنساني حیث یضاف إلى كون الإنسان عبارة عن شخص وھویة وذو قیمة ویدخل في علاقات
تفاعلیة مع الغیر یضاف التواجد والوجود التاریخى للإنسان في زمان ومكان معینین مما یجعل ھذا الأخیر رھین التاریخ وفي نفس الوقت صانعا لھ الشيء الذي یخلق معرفة
تاریخیة بوصفھا معرفة زئبقیة صعبة التحكم وسھلة التملص بین الأصابع رغم إحكام القبضة .
المعرفة التاریخیة معرفة لزجة وسلسة لأن دور الإنسان في ھذا التاریخ غیر مفھوم بالشكل الجید بالإضافة الى تراكم العدید من الرھانات التي تحاول البشریة تحقیقھا
مما یجعل سؤال الماضي اوالمعرفة بالتاریخ سؤال ملتبس وغامض.
یؤكد بول ریكور أن المعرفة التاریخیة معرفة مبنیة حسب منھج مفكر فیھ من طرف المؤرخ.
فالمنھج العلمي لھ خصائصھ وممیزاتھ كما أن للمنھج التاریخي توجھاتھ وأدواتھ التى تتمثل في الوثیقة التاریخیة كأداة دالة على فعل معین یمكن تفسیره وتحلیلھ
بمنطق علمي إعتمادا على مبادئ علمیة تؤدى لا محالة إلى نتائج موضوعیة وبالتالي یؤكد ریكور على ضرورة الممارسة المنھجیة العلمیة للوصول إلى المعرفة التاریخیة أما
بالنسبة لریمون أرون فیقر وبشكل صارم كون المعرفة التاریخیة بالماضي معرفة صعبة ومستعصیة وتتطالب جھدا كبیرا وتوظیفا لعدة وسائل وعملیات تحلیل وتفسیر وفھم
ونقد لأن أساس الحاضر ھو الماضي ھذا الحاضر الذي تسھل علینا معرفتھ لأن ھذه المعرفة تلقائیة وعفویة في حین یعتبر الماضي الغابر ماضیا مجھولا خاصة عندما نرید إعادة
بنائھ وذالك لكون الماضي مليء بمجموعة من الدلالات والرموز التي لا نستطیع فھمھا كما نحن نفھم العالم الذي یحیط بنا بمختلف تجلیاتھ ومكوناتھ.
من ناحیة أخرى یشیر التاریخ عند ابن خلدون الى سیرورة العمران الإجتماعي البشري حیث یعتبر المعرفة التاریخیة نظرا عقلیا في أحوال الذین عاشوا قبلنا وتحلیل
أفعالھم وحوادثھم عن طریق إستعمال معیاري العقل والحكمة كما یؤكد ابن خلدون على ضرورة تجاوز التوقف عند سرد الأحداث والوقائع والأخبار والایام وكیف كان الأخرون
یعیشونھا بالإنتقال الى إتباع القواعد وسبر الأغوار ونقد ماھو متداول والتحقیق فیھ باتباع المنھج العلمي حتى یستطیع الإنسان والعالم بصفة خاصة تجاوز المغالطات العدیدة
التي وقغ فیھا المؤرخون والمفسرون وأئمة النقل .
ویأتي الفیلسوف ھنري مارو لیعزز موقف ابن خلدون حیث یرى أن المعرفة التاریخیة لیست عملا أدبیا أو وصفا أو إعادة كتابة إنما ھي معرفة علمیة ینشئھا المؤرخ إعتمادا
على منھج علمي دقیق وصارم یقول ھنري في تعریفھ للتاریخ:" التاریخ ھو المعرفة العلمیة المكونة عن الماضي … وإن كنا نتحدث عن العلم بشأن التاریخ فإنما ذلك في
تعارض مع المعرفة العامیة التي تستند إلى التجربة الیومیة فالمعرفة التاریخیة ھي معرفة مبنیة تتشكل تبعا لمنھج منظم وصارم یمثل العامل الأنجع لبلوغ الحقیقة
المعرفة التاریخیة :I المحور
تقدیم
كیف نفھم الصیرورة التاریخیة للمجتمعات البشریة ؟ وبأي معنى تكون المعرفة بالتاریخ ممكنة ؟ وھل الإنسان فاعل تاریخي وصانع لھ أم أنھ خاضع لھ؟ وماھي الرھانات
التى یطرحھا التفكیر في التاریخ على مستوى الوجود الإنساني والمعرفة والقیم ؟ وھل یجب الاكتفاء في معرفة التاریخ بما ھو إنسانى فقط أم البحث عن الماضي العلمى والفكري
؟
ھده جملة من التساؤلات جاء العدید من الفلاسفة لتسلیط الضوء علیھا باعتبار التاریج أو المعرفة التاریخیة جزء لایتجزء من الصناعة البشریة للإنسان ذاتھ ھذا الأخیر
الذى یحكمھ المنطق التاریخي الثلاثي :الماضي الحاضر المستقبل لكن الاختلاف الحاصل ھنا ھو نقطة التجاذب التي یقع فیھا المؤرخ الذي یرید أن یؤسس للفعل التاریخي وبدایاتھ
الأولى والفرق الموجود أیضا بین ما ھو تاریخي ثراثي حضاري وبین ماھو تاریخي علمي صرف .
تعددت المواقف وأیضا الأفكار ووجھات النظر الفلسفیة إلا انھ یمكن القول وحسب ما جاء في الكتب المدرسیة المقررة (المباھج المنار في الرحاب ) أن ھذه المواقف تحاول
أن تجعل المعرفة التاریخیة منحصرة في ما سماه العروي بالتأریخ أو ما أشار إلیھ ابن خلدون بعلم العمران بالإضافة للعملیات التى تھتم بسرد الأحداث والوقائع التاریخیة علاوة
على ربط التاریخ بالسیاسة حیث یصبح ھنا التاریخ معرفة. فما ھي حقیقة ھذه المعرفة ولماذا تطلب ؟
إن المجال الإشكالي لمفھوم التاریخ یتحدد إنطلاقا من بعد أساسي وھو الوجود الإنساني حیث یضاف إلى كون الإنسان عبارة عن شخص وھویة وذو قیمة ویدخل في علاقات
تفاعلیة مع الغیر یضاف التواجد والوجود التاریخى للإنسان في زمان ومكان معینین مما یجعل ھذا الأخیر رھین التاریخ وفي نفس الوقت صانعا لھ الشيء الذي یخلق معرفة
تاریخیة بوصفھا معرفة زئبقیة صعبة التحكم وسھلة التملص بین الأصابع رغم إحكام القبضة .
المعرفة التاریخیة معرفة لزجة وسلسة لأن دور الإنسان في ھذا التاریخ غیر مفھوم بالشكل الجید بالإضافة الى تراكم العدید من الرھانات التي تحاول البشریة تحقیقھا
مما یجعل سؤال الماضي اوالمعرفة بالتاریخ سؤال ملتبس وغامض.
یؤكد بول ریكور أن المعرفة التاریخیة معرفة مبنیة حسب منھج مفكر فیھ من طرف المؤرخ.
فالمنھج العلمي لھ خصائصھ وممیزاتھ كما أن للمنھج التاریخي توجھاتھ وأدواتھ التى تتمثل في الوثیقة التاریخیة كأداة دالة على فعل معین یمكن تفسیره وتحلیلھ
بمنطق علمي إعتمادا على مبادئ علمیة تؤدى لا محالة إلى نتائج موضوعیة وبالتالي یؤكد ریكور على ضرورة الممارسة المنھجیة العلمیة للوصول إلى المعرفة التاریخیة أما
بالنسبة لریمون أرون فیقر وبشكل صارم كون المعرفة التاریخیة بالماضي معرفة صعبة ومستعصیة وتتطالب جھدا كبیرا وتوظیفا لعدة وسائل وعملیات تحلیل وتفسیر وفھم
ونقد لأن أساس الحاضر ھو الماضي ھذا الحاضر الذي تسھل علینا معرفتھ لأن ھذه المعرفة تلقائیة وعفویة في حین یعتبر الماضي الغابر ماضیا مجھولا خاصة عندما نرید إعادة
بنائھ وذالك لكون الماضي مليء بمجموعة من الدلالات والرموز التي لا نستطیع فھمھا كما نحن نفھم العالم الذي یحیط بنا بمختلف تجلیاتھ ومكوناتھ.
من ناحیة أخرى یشیر التاریخ عند ابن خلدون الى سیرورة العمران الإجتماعي البشري حیث یعتبر المعرفة التاریخیة نظرا عقلیا في أحوال الذین عاشوا قبلنا وتحلیل
أفعالھم وحوادثھم عن طریق إستعمال معیاري العقل والحكمة كما یؤكد ابن خلدون على ضرورة تجاوز التوقف عند سرد الأحداث والوقائع والأخبار والایام وكیف كان الأخرون
یعیشونھا بالإنتقال الى إتباع القواعد وسبر الأغوار ونقد ماھو متداول والتحقیق فیھ باتباع المنھج العلمي حتى یستطیع الإنسان والعالم بصفة خاصة تجاوز المغالطات العدیدة
التي وقغ فیھا المؤرخون والمفسرون وأئمة النقل .
ویأتي الفیلسوف ھنري مارو لیعزز موقف ابن خلدون حیث یرى أن المعرفة التاریخیة لیست عملا أدبیا أو وصفا أو إعادة كتابة إنما ھي معرفة علمیة ینشئھا المؤرخ إعتمادا
على منھج علمي دقیق وصارم یقول ھنري في تعریفھ للتاریخ:" التاریخ ھو المعرفة العلمیة المكونة عن الماضي … وإن كنا نتحدث عن العلم بشأن التاریخ فإنما ذلك في
تعارض مع المعرفة العامیة التي تستند إلى التجربة الیومیة فالمعرفة التاریخیة ھي معرفة مبنیة تتشكل تبعا لمنھج منظم وصارم یمثل العامل الأنجع لبلوغ الحقیقة".
المحور الثاني: "التاریخ وفكرة التقدم"
إن التاریخ باعتباره سلسلة من الأحداث الماضیة یدفعنا إلى التساؤل عن مساره ومنطقھ، فكیف یتم تطور التاریخ وتقدمھ؟ وھل یخضع في تطوره لإرادة الإنسان أم أنھ
یسیر بشكل عبثي تفعل فیھ الصدفة فعلھا؟
إذا كان "ھیكل" یؤمن بفكرة التقدم ویعتبرھا حقیقة الصیرورة، ذلك أن حركة التاریخ تتحقق من خلالھا الفكرة وتبلغ كمالھا "المطلق"، فإن كارل ماركس یرفض ھذا
التصور المثالي للتاریخ، حیث یرى أن التاریخ الإنساني یرتبط ارتباطا وثیقا بالتقدم، وأن تطور التاریخ یخضع لحتمیة الصراع من أجل البقاء وبالتالي فإن ماركس اعتقد أن
التاریخ ھو صراع الطبقات بمعنى أن التاریخ عنده یتحقق عن طریق ثورة البرولیتاریا وعن طریق قھر الإنسان للطبیعة وتحویلھا، كما یعتقد أن التاریخ یتحقق ویصل الى منتھاه
عندما تنمحي الطبقیة عن الوجود وتسود العدالة الاجتماعیة التي رسم ملامحھا في المذھب الشیوعي وھو بذلك یؤكد على نظریة نھایة التاریخ وذلك بنھایة الفكر
« لأجوست كونت » الرأسمالي. ورسم معالم حركة التاریخ على شكل مراحل: من مرحلة المشاعة البدائیة والعبودیة، الإقطاع، الرأسمالیة، والاشتراكیة. ونفس الأمر بالنسبة
حركة التاریخ انطلاقاً من ھذه الفكرة القبلیة. یمكن القول بان قانون الأحوال الثلاثة « أ  كونت » الذي نظّر الى حركة التاریخ من خلال فكرة مسبقة: سیادة الفكر الوضعي. فحقب
یفرض على التاریخ مساراً محدداً لایخرج عنھ « أ. كونت » الذي صاغھ
ویلاحظ أن إمكانات التطور في التاریخ عند ماركس تتخذ أشكالا عدیدة:
Evolution - تطور ارتقائي، تدریجي
Rupture - تطور قطعي
(Lineal) .( - تطور خطي (تراكمي – صاعد باتجاه واحد
Cyclical) - تطور دوري (ارتدادي ، ومتقدم في آن
ھناك ظاھرات في التاریخ تتسم بالتدرج الارتقائي، وأخرى بتطور خطي، وثالثة بتطور دوري، ورابعة بتطور قطعي وھكذا دوالیك ، فمثلا ماركس یرى أن الشیوعیة ستتطور
تدریجیا وستمحوا الراسمالیة بشكل تدریجي وھذا ھو التطور الارتقائي ، أما التطور القطعي فھو ما یحدث في التاریخ فجأة سواء بسبب الحروب أو الكوارث أو ما شاكل ذلك.....
وتأسیسا على ماسبق ندرك أن ماركس أسس نظریتھ التاریخیة على أساس مادي حاول في ھذا البناء الفلسفي للتاریخ ربط التطور التاریخي بالتطور الاقتصادي للمجتمع ونتج
عن ذلك الربط تفسیر التاریخ على أساس السیطرة على وسائل الإنتاج التي تمكن طبقة اجتماعیة معینة من فرض أفكارھا ونفوذھا الاجتماعي وأن ذلك الصراع المستمر سیؤدي
الى انتصار البرولیتاریا وھذا ماعرف عند الماركسیة بالمادیة التاریخیة .
ردا على التصور الماركسي للتاریخ والتقدم، یعترض میرلوبونتي على كل تصور مطلق ومسبق للتاریخ، حیث یصبح ھذا الأخیر ذو اتجاه محدد سلفا. إن الإیمان بنمطیة
التاریخ ینزع كل فاعلیة عن الإنسان ویؤدي إلى التسلیم بھیمنة النموذج الغربي، وھي فرضیة تكذبھا الأنتروبولوجیة، خاصة الأنتربولوجیة البنویة، ذلك أن التقدم لیس سلسلة
منتظمة من الحوادث لأنھ یخضع للصدفة والمراوحة، وھذا ما نستخلصھ من التقدم الذي حققتھ الإنسانیة منذ بدایتھا الأولى.
إن ما یمیز التقدم البشري حسب كلود لیفي ستراوس كونھ یتم عبر تحولات وقفزات فجائیة، وھذا ما تؤكده المعارف ما قبل التاریخیة والحفریة، حیث أثبتت وجود أنماط
حضاریة مختلفة في المكان الواحد، وفي ھذا السیاق شبھ ستراوس مسار التقدم البشري بلاعب الشطرنج الذي یستطیع اللعب في عدة اتجاھات مختلفة، وھكذا فالتطور البشري
لیس تراكمیا تنضاف من خلالھ مكتسبات كل مرحلة لأخرى، بقدر ما ھو جدلي. وفي ھذا الصدد قدم كلود لیفي ستراوس مثال لاعب النرد الذي یظل معرضا لخسارة ما ربحھ في
المراحل السابقة.
تجاوزا للبس والغموض اللذان یحیطان بمفھومي التقدم والتطور، حاول إدوارد ھالیت كار أن یبین أن مفھوم التطور ذو حمولة بیولوجیة حیث یرتبط أساسا بنظریة
النشوء والارتقاء الداروینیة، في حین یرتبط التقدم بالجانب الإجتماعي التاریخي، ویرجع ھذا الخلط بین المفھومین إلى مفكري التنویر، حینما اعتبروا قوانین التاریخ مطابقة
لقوانین الطبیعة، وأن ھذه الأخیرة تسیر بشكل تقدمي.
إن معالجة إشكالیة التقدم حسب إدوارد ھالیت كار لا تقتضي بالضرورة أن تطور التاریخ لھ بدایة ونھایة، لأن ذلك ینسجم أكثر مع التفكیر الدیني، بل یجب النظر إلى
التاریخ على أنھ عملیة تودع فیھا مطالب وأحوال العصور المتعاقبة. فالتقدم التاریخي لیس مستمرا في الزمان والمكان، حیث یخضع لمجموعة من الانحرافات.
من جھتھ میز ھاربیرت ماركوز في فكرة التقدم التاریخي بین معنیین متقابلین، الأول كمي والثاني كیفي، وكلاھما یوضح اتجاه الإنسان نحو مراكمة تجاربھ للسیطرة على
الطبیعة، وتحقیق ماھیتھ، وھذا ما یمیز المرحلة المعاصرة من تاریخ الحضارة الغربیة.
یشیر التقدم حسب ھاربیرت ماركوز إلى أن تنامي المكتسبات والمعارف الإنسانیة رغم العدید من فترات التراجع والنكوص، فإن الحضارة في تطورھا تولد رغبات وحاجات
جدیدة لدى الناس، وفي ذات الوقت تمكنھ من وسائل إشباع ھذه الرغبات، وھذا ھو المقصود بالتقدم التقني. وفي المقابل یمكن التقدم الكیفي من تحقیق ماھیة الإنسان وتوسیع
الحریة الإنسانیة ونبذ مظاھر التعسف والعبودیة. وھكذا یظل التقدم الإنساني رھین بالتطور التقني من جھة، والتطور الكمي من جھة أخرى، فإذا كان الأول یمكن من إشباع
حاجات الإنسان فإن الثاني یساعده على تحقیق ماھیتھ.
المحور الثالث: "دور الإنسان في التاریخ"
من الأھمیة بمكان- ونحن نقرأ عنوان ھدا المحور- الحدیث عن العلاقة التي تربط بین الإنسان والتاریخ وعن الفعالیة التي من المفترض إن تكون للإنسان داخل الإطار
التاریخي. فھل من الممكن ادن القول أن للإنسان دور في التاریخ؟ وبعبارة أخرى ألیس للإنسان دور فاعل في صنع التاریخ والتحكم في سیرورتھ وإنتاج إحداثھ؟ أم انھ كائن یقف
وقفة المتفرج لیكون التاریخ المؤثر فیھ؟
ادا رجعنا إلى الكتب المدرسیة المقررة سنجد إنھا تحتوي على نصوص لفلاسفة اختلفت آراؤھم وتضاربت أفكارھم في الحدیث عن دور الإنسان في التاریخ. فمن جھة
نجد "ھیجل" في نص "مكر التاریخ" یؤكد على أن الإنسان لیس سوى وسیلة في ید التاریخ. فمكر ھدا الأخیر یجعل الإنسان یعتقد انھ صانع التاریخ، غیر انھ لا ینفد سوى إرادة
التاریخ وفق مسار الروح المطلق. إن ھده التصور الھیجیلي جاء بناءا على قولتھ الشھیرة "إن كل ما ھو عقلي فھو واقعي وما ھو واقعي فھو عقلي".
فالواقع التاریخي بجمیع أحداثھ وأفكاره معقول لأنھ لیس شیئا آخر سوى العقل متجسدا وحالا في روح ھدا الشعب أو داك من الشعوب التي عرفھا التاریخ. فالحقیقة
الأولى عند ھیجل ھي " العقل المطلق" أو "الروح المطلق"، وھي وجود خالص لا محدود ولما كان الوجود الخالص الذي لا یمكن أن تقول عنھ شیئا ھو " العدم" شئ واحد فان
" العقل الكوني" حل في العالم وتموضع فیھ لیعي ذاتھ، وھدا الوعي یتم في التاریخ "ما التاریخ إلا حیاة الله "أي بالصورة حیث تكون الشعوب و الرجال العظام أدوات في ید
العقل الكوني یحقق بھا غایتھ و خطتھ في وعیھ لذاتھ .
أما كارل ماركس فقد رفض ما اعتقد ھیجل انھ تفسیر عقلاني للتاریخ فانزل الجدل من سماء المیتافیزیقا إلى ارض الواقع الإنسان الحي والعیني، وأبدل كلیة ھیجل –
الخاصة بروح الكون- بكلیة واقعیة ھي التشكیلة الاقتصادیة- الاجتماعیة مثل النظام الإقطاعي أو الرأسمالي واحل ماركس الإنسان الاجتماعي محل "روح العالم" فأصبح التاریخ
تاریخ الإنسان العامل و المنتج ولیس تاریخا صوفیا یستعرض مراحل تطور وعي "العقل الكوني" لذاتھ . ویھدا یكون ماركس قد جعل دور الإنسان في التاریخ مشروط بواقعیة
معطاة وظروف خارجة عن إرادتھ.
كما یؤكد ماركس أن التفسیر العقلاني العلمي للتاریخ یجب أن یطلب من الواقع الاقتصادي و الاجتماعي أو ما یسمیھ ماركس بالبنیة التحتیة والتي تتألف من:
-1 قوى الإنتاج: وھي مجموعة الأدوات أو الوسائل التي ینتج بھا الإنسان ما یحتاج إلیھ مثل "الید" أي العمال والآلات و الأرض.
-2 علاقات الإنتاج: وھي طریقة التنظیم التي یخضع لھا مجتمع ما مثل "الملكیة الخاصة" لوسائل الإنتاج التي سادت في النظام الرأسمالي ومجموع علاقات الإنتاج وقوى
الإنتاج، یعطي ما یسمیھ ماركس بنمط الإنتاج مثل: نمط الإنتاج الرأسمالي أو الإقطاعي أو العبودیة. ویرى ماركس أن التغییر الذي یطرأ على قوى الإنتاج یصطدم بعلاقات
الإنتاجالتي لا تمیل إلى الاستجابة لما وقع من تغیر في قوى الإنتاج . إن ھدا التناقض یؤدي إلى وقوع صراع اجتماعي ھو "الصراع الطبقي " الذي یعد المحرك الأساس للتاریخ.
وفي نفس الاتجاه الذي ذھبا فیھ كل من ماركس وھیجل اعتبر لوي التو سیر التاریخ – من خلال نص" التاریخ سیرورة بدون ذات فاعلة " – سیرورة لا تحكمھا ذات
فاعلة ،اد أنھا سیرورة اغتراب مستمرة لاتحركھا أیة قوة أو ذات إنسانیة.
لقد ارتبط اسم التو سیر بالفكر البنیوي، حیث اعتبر مشروعھ قراءة للفكر الماركسي من زاویة بنیویة، وحاول إقامة دعائم بنیویة ماركسیة ذات طابع علمي لا
ادیولوجي ورغم أن التوسیر یرفض إلحاق اسمھ بجماعة البنیویین ،فان الدارسین یبرزون تأثره الشدید بمفھوم البنیة وتطبیقھ للمنھج البنیوي من اجل إعادة بناء الماركسیة .
إن التوسیر یعتبر نفسھ باحثا ماركسیا حاول الكشف عما تنطوي علیھ الماركسیة من نزعة علمیة.
ھكذا یتضح لنا كیف أن كل من ھیجل وماركس والتو سیر یعتبرون الإنسان محكوم علیھ بسیرورة تاریخیة وشروط وظروف خارجة عن إرادتھ لتكون بدلك وسیلة
یستعملھا لتحقیق غایاتھ.
ھدا من جھة ،ومن جھة أخرى مغایرة عما سبق نجد أن كل من سارتر،ماكیافیلي و لویس غولدمان یتفقون جمیعھم على فكرة واحدة، مفادھا أن الإنسان ھو صانع
للتاریخ وفاعل فیھ .
لقد حاول سارتر أن یبرز - من خلال النص – دور الإنسان في بناء الصرح التاریخي لكن دونما إغفال حدود ھدا الدور،ودالك من خلال تحدید طبیعة العلاقة الموجودة بین
الإنسان وشروط وجوده .
فالإنسان – حسب سارتر – یتعرف على كینونتھ من خلال صیرورة التاریخ نفسھ"إن المبدأ الذي اعتمد علیھ سارتر یتأسس على حقل الفلسفة الوجودیة , لكن لیس
باعتبارھا مذھبا بل تمردا على المذاھب , فالوجودیة حیاة ولیس موضوعا للتفكیر وقضایا الإنسان لایمكن أن تكون معان مطلقة بل ھي مشاكل عینیة . فالوجود في أصلھ ھو
وجود الذات المفردة والإنسان یوجد أولا تم تتحدد ماھیتھ فیما بعد(فالوجود سابق عن الماھیة ) والإنسان حرفي اختیار ماھیتھ داخل حدود النوع الإنساني . انھ مشروع دائما
[ لایحقق أبدا ذاتھ فھو دائم الخروج من ذاتھ لیسجلھا على المادة ویطبعھا بطابعھ الخاص " [ 1
اما ماكیافیلي فقد حاول – في النص الثالث من كتاب منار الفلسفة – أن یقدم ویجعل في ید الإنسان الإرادة الصلبة والقوة الكافیة، لتجاوز الأحداث والوقائع المختلفة عبر
التاریخ. فادا كان القدر یتحكم بنصف حیاة الإنسان – حسب ماكیافیلي – فان النصف الآخر یبقى بیده یعده كما یشاء لصد كل قدر جامح ومدمر. "لقد كانت ایطالیا في عصر
. [ ماكیافیلي تعاني من وطأة الفاتیكان، التي كانت المستفیدة الأولى من واقع تجزئة ایطالیا إلى دویلات متصارعة ومتناحرة "[ 2
وعلیھ، فان ماكیافیلي یوضح لنا من خلال ھدا النص، كیف یجب على الإنسان أن یصنع أحداتھ وتاریخھ، لیشكلا الصخرة التي تتكسر علیھا كل غزو أو تھدید خارجي.
وبنفس النھج رفض لوسیان غولدمان - من خلال نص "من یخلق البنیات" – كل التصورات السابقة التي تقلص من دور الانسان وتقزمھ، بل وتجعل منھ وسیلة یعبث بھا
القدر والتاریخ، فادا كان ألتو سیر وماركس یجعلان البنیات و الأنساق المتعالیة المحرك الأساس للتاریخ، فان غولدمان ینفي دلك معتبرا الممارسات الإنسانیة والبشریة وأفعالھم
وعلاقاتھم، الدافع الأكید لسیرورة الأحداث التاریخیة.
إن الذوات ھي التي تنشئ علاقات الإنتاج الموجودة، كما تنشئ أنماط إنتاج جدیدة. فلیس اللغة والبنیات ھي التي تخلق الناس، بل الناس ھم الدین یخلقون ھده اللغة وھده
البنیات، دلك لأن البنیات لیست دواتا ولم تنتج أبدا شیئا، وعلیھ فان ھده البنیات - حسب غولدمان - ما ھي إلا تجلیات لسلوك ولفكرة ولحیاة الذات.
ھكذا یتضح لنا مما سبق كیف ان كل من سارتر،ماكیافیلي وغولدمان حاولوا إعادة الاعتبار للذات الإنسانیة، في إطار صناعتھا للتاریخ. فللذات دور مركزي وأساسي في
بناء سیرورة الأحداث الإنسانیة ، ولیس البنیات سوى مظاھر لسلوكیات ھده الذوات.
وبالتالي نخلص من خلال قراءتنا لآراء ھؤلاء الفلاسفة، أن على الرغم من استبعاد الإنسان من الفاعلیة في التاریخ فان ھناك من الفلاسفة من حاول موضعتھ لجعلھ"
الدینامو" المحرك للتاریخ ولسیرورة الأحداث الإنسانیة، بل إن البنیات التي ادعى أصحابھا أنھا ھي أساس التاریخ أضحت مظھرا من مظاھر سلوك وفكر وحیاة الذات .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى