www.ataleb.net
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
ataleb
Admin
عدد المساهمات : 2910
تاريخ التسجيل : 08/02/2014
https://achamel.ahladalil.com

درس الحق ... Empty درس الحق ...

الثلاثاء أبريل 15, 2014 12:33 pm
درس الحق

مقدمة:
یعتبر مفھوم الحق من المفاھیم الأساسیة التي تداولھا الفلاسفة من القدیم، لارتباط إشكالیتھ
بالھموم الإنسانیة، ولمواكبتھا للحیاة السوسیو-أخلاقیة.
المحور الأول: الحق الطبیعي والحق الوضعي.
شكل الحق عبر مختلف العصور مبدأ سعى إلیھ الإنسان فصانھ واحتفظ بھ لمدى أھمیتھ وقیمتھ
الاتیقیتین. لكن على أي أساس یقوم ھذا الحق؟فھل یقوم على أساس طبیعي محدد سلفا أم على
أساس قانوني ووضعي ؟
توماس ھوبز، یذھب الى القول أن الإنسان أناني بطبعھ، ویتلخص الحق الطبیعي في "أن لكل
الناس الحق على كل الأشیاء، بل إن لبعضھم الحق على أجسام البعض الآخر". إنھا إذن "حرب
الكل ضد الكل" ؛ إنھا الحریة المطلقة في أن یفعل الإنسان ما شاء وأنى شاء. لكن ما دام "لن
یتمكن أحد مھما بلغ من القوة والحكمة أن یبلغ حدود الحیاة التي تسمح بھا الطبیعة"؛ فیترتب عن
ذلك تأسیس قانون یقوم على الحق الطبیعي في الحیاة والدفاع عن النفس. وھو قانون یتنازل
بموجبھ الأفراد عن حقھم الطبیعي في الصراع من أجل حق طبیعي أسمى ھو "حب البقاء"؛
فیضعون السلطة في ید شخص واحد مستبد.
في حین یتبنى سبینوزا أطروحة الحق الطبیعي، إذ یؤكد أن ھذا الحق یتلخص في أن "لكل موجود
حق مطلق في البقاء على وضعھ"، ولیس ھناك فرق بین الإنسان والكائنات الأخرى. فلدیھ كل الحق
في أن یتصرف وفق ما یشتھیھ وما تملیھ علیھ طبیعتھ. فمن ھو بطبعھ میال إلى "منطق الشھوة"
یتصرف وفق ھذا المنطق (الغایة تبرر الوسیلة)؛ ومن ینزع بطبعھ نحو "منطق العقل"، فإنھ
یتصرف وفق ھذا النزوع. لكن، لكي یعیش الناس في وفاق وأمان "كان لزاما علیھم أن یسعوا إلى
التوحد في نظام واحد" ؛ وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشھوة.
وھذا أمر لا یتناقض مع الحق الطبیعي باعتبار العقل جزءا منھ.
إلا أن جان جاك روسو یتناقض مع أطروحة الحق الطبیعي القائم على القوة . فالإنسان خیر بطبعھ،
والقوة قاعدة فیزیائیة لا یمكن أن یقوم علیھا الحق. وبما أن الإنسان كائن عاقل لابد أن یتنازل عن
الأنانیة التي فرضھا علیھ جشعھ وحبھ للمال، وتفرده بالسلطة، وبالتالي قیام المدنیة على أسس
خاطئة. فالمدنیة لا تقوم إلا على صوت الواجب، والحق یجب أن یعوض الشھوة والاندفاعات
الجسدیة. إن حالة التمدن مكسب لأنھا تمثل "الحریة الأخلاقیة التي تمكن وحدھا الإنسان من أن
یكون سید نفسھ بالفعل". إن الشھوة استعباد والامتثال إلى القوانین التي شرعھا الإنسان بنفسھ
حریة. ویقصد روسو ضرورة إقامة المجتمع على أساس "تعاقد اجتماعي" في إطار سلطة
دیمقراطیة تعكس إرادة الجمیع.
المحور الثاني:العدالة كأساس للحق.
سواء قام الحق على أساس القانون الطبیعي أو على أساس الوضعي،فان السؤال الذي یطرح
نفسھ:ھو كیف ینبغي أن یؤجر ھذا الحق؟وما ھي الشروط التي یجب توفرھا لتحقیق العدالة؟
تتحدد العدالة حسب أرسطو، بالتقابل مع الظلم.فالسلوك العادل،ھو السلوك المشروع الموافق
للقوانین والذي یكفل لكل ذي حق حقھ تبعا لتناسب ریاضي في حین أن الفعل الجائر ھو الفعل
اللامشروع المنافي للمساواة والذي یقوم على عدم التناسب وعدم التوسط بین الإفراط والتفریط.
أما أفلاطون فیرى أن تحقیق العدالة داخل المدینة قمین بقیام كل فرد بالمھمة التي وجد من أجلھا
على أحسن وجھ،وبذلك یتحقق التناغم والانسجام بین قوى مختلفة ومتعارضة،عندھا یكون ھذا
الفرد قد ساھم في كمال المدینة وتحقیق الفضائل المتمثلة في الحكمة والاعتدال والشجاعة.
لكن ألان فلھ رأي آخر، إذ یعتبر أن المعیار الأساسي للحق ھو الاعتراف بھ والمصادقة علیھ،أما
الأشكال الأخرى من الممارسات الیومیة،فلا تدخل في إطار الحق،لأنھ لا یشمل الوقائع والأحداث
التي تنبع من واقع الناس وحیاتھم الیومیة.
المحور الثالث:العدالة بین المساواة والإنصاف.
إذا كانت العدالة فضیلة أخلاقیة، تتحدد قیمتھا في تطبیقاتھا العملیة، وإلا ظلت مجرد حلم بعید
المنال.لذا وجب توفر شرطي المساواة والإنصاف، حتى تنتقل من مستوى ما ینبغي أن یكون –أي
فكرة- إلى مستوى ما ھو كائن.فھل بإمكان العدالة إنصاف جمیع الناس؟
حسب أفلاطون فان العدالة تتحدد باعتبارھا فضیلة تقوم في انسجام القوى المتعارضة وتناسبھا.
فالعدالة في رأیھ تتحقق على مستوى النفس حین تنسجم قواھا الشھوانیة والغضبیة والعاقلة،كما
تتحقق على صعید المجتمع حین یؤدي كل فرد الوظیفة التي وھبتھ الطبیعة دون تدخل في عمل
الآخرین.
في حین تقترن العدالة عند أرسطو بالعدالة السیاسیة التي تفترض القیام بالسلوك المنصف
والخاضع للقوانین التي لھا دور تنظیم الحیاة العمومیة وضمان تحقیق العدالة السیاسیة.فالعدالة
تدرك بنقیضھا،لأن التصرف اللاعادل یتحقق عندما لا یأخذ الفرد نصیبھ من الخیرات ومن ثروات
البلاد،لذلك كان ضروریا وجود قانون یلزم الحاكم لكي یحكم بالعدل والمساواة.فالعدالة إذن لابد أن
تقترن بالمساواة التي تضمن الكرامة للجمیع.
غیر أن كلاستر یرى أن تحقیق شرطي الإنصاف والعدالة،أو افتراض وجود حاكم عادل غیر كاف بل
یجب إضافة إلى ذلك فرض العدالة بقوة القانون لتفادي العنف والفوضى والاستئثار بالحكم.ودلیلھ
على ذلك افتقار السلطة لقوة القانون عندما تكون معنویة أو رمزیة،مما یتسبب في إمكانیة
أفولھا.الأمر الذي یستدعي ضرورة قیام السلطة على أساس القانون ولیس على أساس شخصیة
رمزیة كما ھو متداول في أعراف وتقالید القبیلة.
خاتمة:
كاستنتاج عام، یتبین أن الحق مفھوم فلسفي كان أساس نقاش متواصل بین الفلاسفة والمفكرین
منذ القدیم، لما لھ من ارتباط بإنسانیة الإنسان، وتنظیم حیاتھ الاجتماعیة، وتحقیق كینونتھ. وقد
تأرجح الفلاسفة بین اعتباره حقا طبیعیا أو حقا وضعیا ؛ دون أن ننسى ھناك أطروحات لا ترى
تناقضا بین الطبیعي والوضعي، باعتبار الوضعي توجیھا للطبیعي... كما أن الاختلاف الحاصل حول
القانون یمكن حلھ على الشكل التالي: فكلما كان القانون خدوما للصالح العام؛ كلما كان حقا وجب
على الناس الالتزام بھ. علما بأن الحق لیس مطلقا بل ھو نسبي، ومن ھذا المنطلق یجب العمل على
تحیین القوانین حتى تكون مواكبة للعصر
---------------------------------
تقدیم اخر
الدلالات .
تعد العدالة واحدة من أكثر الموضوعات قدسیة وشیوعا في السلوك الاجتماعي، ویمكن أن
تتخذ وجوھا متضاربة جدا حتى ضمن المجتمع الواحد.
إذ أن ÿÿ ، فمن الناحیة التاریخیة، یعود إنسان وادي الرافدین أقدم مشرعي أحكام العدالة
شرائع العراقیة القدیمة تسبق أقدم ما ھو معروف منن شرائع وقوانین في سائر ;ÿÿ ا 1604
الحضارات الأخرى، كالفرعونیة والإغریقیة والرومانیة بعشرات القرون، فقد وضع الإنسان
العراقي القدیم تصوراتھ لموضوع العدالة والظلم في صمیم نظرتھ للآلھة والكون والإنسان.
فارتبطت العدالة بالنظام مثلما ارتبطت قیم الخیر كلھا بھ، وارتبطت بنشاطات الحیاة
المختلفة، فقد عدھا إلھا للحق والعدل، ومزیلا للغموض وكاشفا للحقائق، فإلھ العدل ھو إلھ
المعرفة نفسھ، فكان العراقیون یحتفلون في العشرین من كل شھر بعید مكرس لإلھ العدالة "
شمس " الذي أنجب ولدین ھما " كیتو " و " میستاو " أي العدالة والحق.
غیر أن ھذه التمثلات ظلت خدمة للإلھ من طرف الإنسان، أما فكرة " أن العدالة شيء عن
حق كل إنسان " فلم تأخذ في التبلور إلا في الألف الثاني ق.م، وھو الألف الذي ظھرت فیھ
(1752 - شرائع حمورابي. إذ یذكر ھذا الملك البابلي الذي تولى الحكم خلال المدة ( 1792
ق.م. في مقدمة شریعتھ : " إن الآلھة أرسلتھ لیوطد العدل في الأرض، ولیزیل الشر والفساد
بین البشر، ولینھي استعباد القوي للضعیف، ولكي یعلو العدل كالشمس، وینیر البلاد من أجل
خیر البشر، ویجعل الخیر فیضا وكثرة".
بعد ذلك أصبحت ھذه المشكلة الأخلاقیة بعناصرھا الاستفھامیة نقطة وحاولت الخوض في
ماھیة العدالة وغایتھا وأسالیب تحقیقھا عملیا، ومن ھنا جاءت تعددیة أشكاھا : العدالة
الطبیعیة، العدالة القانونیة ، العدالة الاقتصادیة، العدالة الاجتماعیة...إلخ.
وإذا كان الاھتمام الفلسفي في مراحلھ الأولى قد اھتم وركز على المجالین الأنطلوجي، فإن
الفلسفة الحدیثة والمعاصرة ستفكر في مفھوم العدالة والحق من زاویة سیاسیة، قانونیة،
أخلاقیة .
أما مفھوم الحق فإنھ یشیر من الناحیة اللغویة إلى الیقین والاستقامة والثبات، غیر أن
تنازلھ بشكل إجرائي وربطھ بالممارسة العملیة، یعطیھ مكانة في اھتمامات الفكر الفلسفي
الحدیث والمعاصر فقد اعتبره" لالاند، في معجمھ الفلسفي : معیارا أو قاعدة قانونیة أخلاقیة،
تؤطر علاقات الأفراد فیما بینھم داخل مجتمع سیاسي منظم، وذلك أن تنظیم الحیاة في
المجتمع حسب " كانط" ھي التي تفرض " وجود تحكیم عادل ومنصف یطبق على المجتمع
."
وإذا أردنا تحدید بعض الأصول النظریة والتاریخیة التي كان لھا الفضل في تناول مفھوم
الحق نشیر إلى تراث بعض الحضارات القدیمة وتعالیم الدیانات الكبرى، وتطور الفلسفة
السیاسیة والأخلاقیة في أوربا مثل: نظریات العقد الاجتماعي، فلسفة عصر الأنوار، بالإضافة
، إلى صدور إعلانات ووثائق تاریخیة إثر حدوث ثورات اجتماعیة كبرى مثل : ثورة 1648
الثورة الفرنسیة 1789 ، صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 ...إلخ.
ویقترن مفھوم الحق بالعدالة، حیث لا یمكن الحدیث عن أحدھما دون استحضار الآخر،
الشيء الذي یدفعنا إلى الدخول في حقل استفھامي واسع نحدد بعض تساؤلاتھ كالتالي :
- ھل العدالة فطریة وذات جذور في طبیعة الإنسان؟ أم أنھا مكتسب حضاري ناتج عن
المجتمع ؟ أي عن التعاقد الضمني بین الأفراد بھدف تنظیم التعایش الاجتماعي ؟.
- وإذا كانت العدالة ھي تجسید للقواعد القانونیة والمعاییر الأخلاقیة بما ھي" قیمة
أخلاقیة یتحدد بموجب ھذه القواعد والمعاییر، حیث لا یمكن الحدیث عنھ بمعزل عن أشكال
تجسیداتھ داخل الدولة، فما ھي علاقة الحق بالعدالة ؟ وھل یكفي القانون لضمان الحق
والعدالة ؟.
المحور الأول : الحق بین الطبیعي والوضعي .
إلى كون الحق الطبیعي، یتجلى في (TH ( 1588- یؤكد الفیلسوف الإنجلیزي 1679
الحریة التي یتمتع بھا كل إنسان، ومادام كل إنسان یھدف إلى تحقیق مصالحھ وأھدافھ فإن
النتیجة المترتبة عن ذلك ھي نشوب حرب الجمیع ضد الجمیع.
فالحق الطبیعي بھذا المعنى ھو حریة التصرف والفعل، وغیاب الحواجز الخارجیة ، التي
تمنع الإنسان من فعل ما یریده، ویمكن أن تمیز بین الحق والقانون ھنا، إذ أن الحق یكمن في
حریة القیام بفعل أو الامتناع عنھ، في حین یعد القانون إلزاما بأحدھما - أما القیام بالفشل أو
الامتناع عنھ- إذ یختلفان بالقوة التي یختلف بھا الإلزام عن الحریة.
إن أھواء الناس میولاتھم المتناقضة والمتضاربة من شأنھا أن تؤدي بالمجتمع الإنساني
إلى العودة إلى حالة الفوضى التي كانت سائدة في حالة الطبیعة، فیقدر ما یحافظ كل واحد منا
على حق القیام بما یرید بقدر ما نكون في حالة حرب، إن الحق یقتضي حسب ھوبز وضع حد
لحالة كانت سائدة في حالة " حرب الكل ضد الكل " وبناء على ذلك فإن العقل الإنساني بناء
على قانون طبیعي أكشف قاعدة ضرورة التنازل عن الحریة المطلقة وتعایش الإنسان مع
غیره حفاظا على سلامتھ وأمنھ في إطار توافق اجتماعي .
وینطلق سبینوزا ( ق 17 ) من نفس التصور الذي بنى علیھ ھوبز أطروحتھ: ( السمك
الكبیر یأكل السمك الصغیر) أي أن قانون القوة یسیر على جمیع الموجودات والكاتبات حیث
القوي یأكل الضعیف، وفي كتابھ "رسالة اللاھوت والسیاسة"، الذي درس فیھ المجتمع
المدني وأشكال الأنظمة وأسس المجتمع المدني، یرى أن الحق الطبیعي ھو حق لا یخضع
لأیة ضوابط إلا ضوابط الذات، وتبعا لذلك یكون الكل موجود طبیعي حق مطلق على كل ما
یوجد تحت سیطرتھ، ومن ثم یكون الحق بالنسبة للذات مطابقا لقدرتھا.
إن سبینوزا وإن كان یبدو ظاھریا مع ھوبز في موقفھ ، إلا انھ یلتقي معھ في نفس
التصور لحالة الطبیعة، إلا أن سبینوزا العقلاني یستبعد أن تكون ھناك سلطة خارجیة، لھا
القدرة على وصف حالة الطبیعة ، إلا سلطة العقل، وللتخلي عن حالة العنف والحرب یجب أن
یتنازل الفرد في الحق الطبیعي عن طریق تعاھد حاسم.
إن الحق الطبیعي لیس لھ حدود، سوى حدود ذلك الشخص الذي یمارس ذلك الحق، لكن
استمرار ھذا الوضع و تشبت كل فرد بحقھ الطبیعي سیؤدي إلى تعارض الحقوق والنھایة
ستكون مأساویة، لھذا یرى سبینوزا أن العقل ھو الذي یمیزنا عن باقي الكائنات، ھكذا فإن
التعاقد السلیم ھو ذلك الذي ینبني على العقل والغایة من التعاقد ھو الخروج من حالة العنف
والقوة إلى حالة السلم والأمن والتعاقد بصفة عامة تحتم على الذات التحلي عن كبریائھا
ولیحل ما ھو أخلاقي محل ما ھو غریزي،فحالة المجتمع أو حالة التمدن كما یسمیھا روسو
1778-1712 ) تجعل الإنسان یضمر ما ھو أعظم، وھي الحریة الأخلاقیة وأعراف الجماعة )
وبالتالي یكون الانتقال من حالة الطبیعة إلى حالة المدینة وھو انتقال من حق القوة إلى قوة
الحق، أي من الاحتكام إلى القوة الطبیعیة الفیزیائیة إلى القوة القانونیة التشریعیة
والأخلاقیة، والقوة المشروعة في نظر روسو ھي قوة الحق، لأن حالة التمدن التي یتحدث عنھا
تضمن للإنسان نفس الحقوق والواجبات، ومعھا تنتھي الحقوق الإنسانیة فیتم إقرار العدالة
عن طریق عقد القوانین والاتفاقات التي تجمع بین الشمولیة وكونیة الإدارة وشمولیة وكونیة
الموضوع.
وضمن نظرة عامة للسیادة أرسى روسو قواعد الاجتماع المدني على أساس الحریة
والمساواة وتكریس حالة المدنیة من خلال انتقال الإنسان من كائن حیواني إلى كائن إنساني ،
فإذا كان العقد الاجتماعي قد أفقد الإنسان حریتھ الطبیعیة الغیر محدودة، إلا انھ أكسبھ ملكیة
جمیع ما یقتنیھ.
لكن إذا كان الحق یروم إلى العدل فإن القانون لا یرقى دائما إلى ھذا المستوى لذلك فما ھو
قانوني أو مؤسساتي لا یكون بالضرورة حقا، ھنا یطرح علاقة العدالة بالحق، كیف یمكن
الاحتكام إلى الحق لتحدید ما ھو عادل ؟
المحور الثاني : العدالة كأساس للحق.
یظھر مفھوم العدالة مرتبطا بمفاھیم أخرى خصوصا في المجتمع، وارتباطھا بحقوق
الإنسان وبالأخلاق ومن ثمة تطرح التساؤلات التالیة نسفھا : ھل ھناك فعلا عدالة ؟ أم أن
العدالة مجرد مثال یصعب حقیقة الوصول إلیھ ؟ ھل العدالة قیمة مطلقة أم نسبیة ؟ و أخیرا ما
ھو البعد الأخلاقي للعدالة باعتبارھا قیمة ؟
لقد كان السوفسطائیون من أوائل من عالجوا إشكالیة العدالة، فكانوا یعتبرون الفرد
مقیاس كل شيء وعلى ھذا الأساس اعتقدوا أن العدالة غیر موجودة أو على الأرجح إنھا
مفھوم غامض وقیمة لا یؤمن بھا الضعفاء، وقد أتت الأطروحة الأفلاطونیة لتصحح الفكر
السوفسطائي، علما أن أفلاطون لایؤمن بالمفھوم الدیمقراطي للعدالة، حیث أكد أفلاطون
بصریح العبارة أن العبید واھمون حینما یعتقدون في المساواة لأن العدالة لا یمكنھا أن تكون
كذلك أبدا لأن الناس خلقوا غیر متساویین بطبعھم، ومن ثمة فإن العدالة تتجسد عملیا في
المجتمع إذا انصرف كل واحد إلى ما ھو مؤھل لھ بطبعھ، فیجب أن یكون التقسیم الطبقي
للمجتمع متطابقا مع تقسیم قوى النفس، القوة الشھوانیة، القوة الغضبیة، والقوة العاقلة،
والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشھوانیة والغضبیة إلى القوة العاقلة لتصل القوة
الغضبیة إلى فضیلتھا التي تتجلى في الشجاعة .
إن قیمة العدالة ھي التي توجھ قوى النفس وتضمن تراتبیتھا باعتبارھا فضیلة الفضائل،
وعلى غرار ذلك لا یمكن أن تضمن مدینة مثالیة في نظر أفلاطون دون أن یضم المجتمع ثلاث
طبقات ( علاوة على طبقة العبد ) وھي : طبقة العامة وطبقة الجند وطبقة الحكام، وھم
الفلاسفة الذین علیھم الانصراف إلى إدراك العدالة كقیمة علیا ترتبط بعالم المثل.
أما أرسطو وإن كان ھدفھ محاربة الفكر السوفسطائي، إلا أنھ یختلف مع أفلاطون في
تمثلھ للعدالة، حیث یرى أرسطو أن العدالة تتمثل نظریا في الوسط الذھبي ( لا إفراط ولا
تفریط ) الذي یستطیع وحده أن یضمن الفضیلة، وعلى ھذا تتأسس العدالة العملیة التي
تتجلى في توزیع الثروات بین الأفراد بطریقة ریاضیة تناسبیة، بمعنى أن العدالة تقتضي أن
یتقاسم الأفراد بینھم بطریقة عادلة الصالح والطالح، كما تتجلى في سن قوانین كفیلة بضمان
الأمن والسكینة لسكان المدینة وتقوم العلاقات بین أفراد المجتمع على صداقة حقیقیة
ومثالیة، لأن المؤسسة والقوانین لا یمكن أن تكون مصدرا للعدالة ما لم تكن مؤسسة على
الطبیعة، ولن تكون ھناك عدالة ما لم توجد طبیعة صانعة لھا، من ھنا ضرورة الفصل بین
العدالة والمنفعة وھو فصل یؤسس لفضیلة مبنیة على الحب والاحترام كأساس للحق، وفي
یؤكد أن ھناك معیار أساسي للتمییز بین القوانین cioceron " ھذا الصدد نجد " شیشرون
حیث یقول : " فلكي نمیز قانونا حسنا عن آخر قبیح لا نتوفر عن قاعدة غیر طبیعیة "،
وسیكون من باب الحماقة الاعتقاد بأن ھذه التمییزات تقوم على الحب والإخاء، فأساس
الفضائل ھو حب الناس ھو أساس الحق ومتى قام الحق على الطبیعة الخیرة للإنسان كان
ملزما.
ویعتبر سبینوزا من الفلاسفة الذین تبنوا أطروحة الحق الطبیعي ودعا على تأسیس الحق
الدیمقراطي، وأكد أن ھذا الحق یتلخص في أن لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعھ،
ولیس ھناك فرق بین الإنسان والكائنات الأخرى، فلذا كل الحق في أن یتصرف وفق ما
تشتھیھ وتملیھ علیھ طبیعتھ، فمن ھو بطبعھ میال إلى " منطق الشھوة " یتصرف وفق ھذا
المنطق ( الغایة تبرر الوسیلة ) ومن ینزع بطبعھ نحو " منطق العقل " فإنھ یتصرف وفق
ھذا النزوع، لكن لكي یعیش الناس في وفاق وأمان كان لزاما علیھم أن سعوا إلى التوحد في
نظام واحد، وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشھوة وھذا أمر
لا یتناقض مع الحق الطبیعي باعتبار العقل جزءا منھ، وسبینوزا ینظر للعدالة باعتبارھا
تتضمن حق كل واحد في الحفاظ على حیاتھ ومصلحتھ بالتساوي.
كما تعتبر فكرة الحق الطبیعي القاعدة المطلقة لكل تشریع والنواة الحقیقیة للإعلان
العالمي لحقوق الإنسان وقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعا دولیا لما یحتویھ من
حقوق لا یجوز التصرف فیھا ویتوخى منھ أن یكون معیارا مشتركا تقیس بھ كافة الشعوب
والأمم منجزاتھا قصد التأسیس والاعتراف بحقوق الإنسان و.........، المبنیة على العدالة
والمساواة وعلى الرغم من الانتقادات الموجھة للإعلان العالمي الإنسان وما یتضمنھ من
حقوق لا یجب محاكمتھا باسم تجریدیتھا وباسم ما ھو كائن إذ تبقى ھذه الحقوق على مثالیتھا
المعیار الذي تحاكم من خلالھ الحقوق الفعلیة المتاحة في الدول المعاصرة وتبقى ھذه الحقوق
المثال الذي تسعى الإنسانیة إلى تحقیقھ على أرض الواقع عبر إزالة كل العراقیل المناوئة لھا
وإذا أردنا تناول قیمة العدالة كأساس الحق من منظور لیبرالي فلا یمكننا أن نمر دون
التطرق لأطروحة فریدیریك فون ھایك الذي عرف السلوك العادل بأنھ سلوك یكفل الحق في
منظومة قانونیة ، شرعیة ، في إطار مجتمع تسوده الحریة حیث لا تعكس العدالة دلالتھا إلى
في نظام شرعي فالقانون الذي یستند على قواعد العدالة لھ مقاما استثنائیا لا یجعل الناس
یرغبون في أن یحمل إسما ممیزا فحسب بل یدفعھم أیضا إلى تمییزه بوضوح عن تشریعات
أخرى تسمى قوانین ولعل مبرر ذلك یكمن في أنھ لو شئنا الحفاظ على مجتمع تسوده الحریة
فإن ذلك القسم من الحقوق الذي یقوم على القواعد العادلة ھو وحده الكفیل بأن یكون ملزما
للمواطنین ومفروضا على الجمیع.
وفي نفس السیاق یؤكد الآن أن الحق لن یكون عادلا ما لم یتم الاعتراف بھ من طرف
السلطة القائمة ، إن عدالتھ مبنیة على الاعتراف بھ وإلا حصل العكس حیث القوة تؤسس
لحق طبیعي ، لكنھ غیر عادل ویدعم الآن موقفھ ، ھذا بأمثلة بسیطة من الواقع المعیش ،
فحیازة ساعة ووجودھا في جیب اللص لیس في أمر الملكیة مطلقا ، ویؤكد الآن على المساواة
كأساس للحق حیث ابتكر الحق ضد اللامساواة والقوانین العادلة ھي التي یكون الجمیع
أمامھا سواسیة ، سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا أو مرضى أو جھالا أما أولئك الذین
یقولون حسب الآن أن اللامساواة من طبیعة الأشیاء فھم یقولون قولا بئیسا .
المحور الثالث : العدالة بین المساواة والإنصاف.
تدور الإشكالیة العامة لھذا المحور حول تساؤل أساسي ھو كالتالي: إذا كانت العدالة
تھدف إلى خلق المساواة في المجتمع ، فھل بإمكانھا إنصاف جمیع أفراده؟
وللإجابة على ھذه الإشكالیة لا بد من مقاربة بعض المواقف الفلسفیة التي تناولتھا عبر
تاریخ الفلسفة .
348 ق.م) أن العدالة تتحدد باعتبارھا فضیلة تنضاف إلى فضائل ثلاث - یرى أفلاطون( 424
ھي: الاعتدال والشجاعة والحكمة ، فالعدالة حسب ھذا الأخیر ھي أن یؤدي كل فرد الوظیفة
المناسبة لقواه العقلیة والجسدیة والنفسیة ، فھي (أي العدالة) تتحقق على مستوى النفوس
حیث یحدث انسجام بین القوى الشھوانیة والعقلیة لدى الإنسان فالضامن الوحید لتحقیق
الفضیلة والعدالة ھو الدولة التي تملك سلطة القانون والحكمة وتبعا لذلك فإن الوظائف التي
تستدعي قدرات عقلیة وانسجام الغرائز مع العقل ستكون من نصیب الحكماء والفلاسفة لأنھم
ھم القادرون على تحقیق الحق والعدالة
322 ق.م ) فالعدالة بالنسبة إلیھ لم تعد صفة - الشيء الذي سیختلف معھ أرسطو( 384
من صفات النفس بل فضیلة مدنیة والعدالة قد تلحقھا أخطاء لذلك فإن الإنصاف وحده یصلح
قوانین العدالة فالعدالة بالنسبة لأرسطو تقوم على مبدأین ھما : المساواة والإنصاف : أي
منح الأفراد ما یستحقونھ بغض النظر عن القانون.
ما یمكن استنتاجھ من خلال نموذج أفلاطون وأرسطو ھو أھمیة العقل النظري في تحدید
الممارسة سواء عند أفلاطون في تصوره للعدالة من منظور رؤیتھ للخلاص أو عند
أرسطو في تصوره للحیاة السعیدة فالحكیم الذي یكرس حیاتھ للتأمل كان یخص
بالتقدیر والاحترام وینظر إلیھ كنموذج لأنھ یمثل الطریق إلى تحقیق العدالة وتكریس الحق.
1776 م) وھو (من رواد المدرسة التجریبیة ) فإن العدالة - أما دافید ھیوم ( 1711
بالنسبة إلیھ تفقد معناھا عندما تكون غیر ذات نفع، ویدعو إلى التصرف أكثر إنصافا من أجل
مصلحة ما، حیث ما وجدت مصلحة وجدت العدالة مادام الإنسان یمیل بطبیعتھا إلى تحقیقھا.
وھناك من یذھب إلى السخریة من العدالة لاستحالة تحقیقھا، أما الإنصاف فیتحقق بفعل
العرف الذي یعتبر بمثابة الأساس الروحي لسلطتھ وسببا في القبول بھ، ھذا ما عبر عنھ أحد
المفكرین یدعى باسكال.
وابتداءا من الستینات وبدایة التسعینات من القرن الماضي ستعرف نظریة العدالة
كإنصاف انتشارا كبیرا.
وقد حاول " جون راولس " تطویر نظریة أرسطو فیما یتعلق بالعدالة، من خلال نقده
للفلسفة النفعیة وذلك من خلال إعطائھ قیمة كبرى لفكرة الإنصاف في المجتمع متنكرا
للمفاھیم البراغماتیة للحق والعدالة التي كرستھا فلسفة : الإنسان حر في تحقیق منافعھ
الخاصة ولو على حساب الآخرین.
ویعني الإنصاف بالنسبة لراولس،إعطاء كل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من
الحقوق الأساسیة واعتبر أن اللامساواة مقبولة عقلیا على أرضیة تكافؤ الفرص التي تسمح
للأفراد بلوغ مراتب ووظائف علیا في المجتمع، ھكذا یحكم راولس على المؤسسات السیاسیة
والاجتماعیة ھل ھي عادلة ؟ أم لیس كذلك ؟.

یظھر إذن أن الإنصاف باعتباره الضامن الوحید للمساواة بین الأفراد فیما بینھم أساسي
لتحقیق العدالة، ذلك أن ھذه الأخیرة " یمكن أن تقع في أخطاء وتنحرف " وبالتالي فإن ھذه
القاعدة عندما تغدو مرجعیة شمولیة، آنذاك یتحقق الحق شرطا أساسیا لتحقیق العدالة ؟.
ھذه النتیجة یمكن استنتاجھا على أرضیة نقد القانون الوضعي الذي یكون في أغلب
الأحوال بعیدا كل البعد عن الحق والعدالة والمساواة بین الأفراد والجماعات، أي أن القانون
الوضعي لا یكون دائما مرجعیة للدفاع عن الفرد والجماعة ضد الدولة، فحتى یتسنى للحق أن
یشتغل فعلیا كقیمة مشتركة من أجل العدالة والمساواة والحریة، بین مختلف جماعات
المجتمع الواحد، أو بین مختلف المجتمعات وحتى یمكن أن یكون بمثابة حس مشترك للحوار
والتواصل، یعني أن یظھر كإطار مرجعي شمولي تكملھ الحیاة الاجتماعیة للناس.
العدالة أساس الحیاة الراقیة، ولتحقیقھا على الإنسان الالتزام بمبادئھا القائمة على
الحریة والمساواة واحترام حقوق الأفراد السیاسیة.
وذلك لا یعني البقاء في حالة الطبیعة، كما صورھا ھوبز، ولكن المسألة تقتضي الاحتكام
إلى معاییر تنسجم وطبیعة الإنسان ككائن متمیز، عاقل، واع، منتج، فالظلم رافق الإنسان منذ
بدایاتھ، ظلم الطبیعة، وظلم البشر للبشر...، خصوصا عند ظھور الملكیة التي أدت إلى
استغلال الإنسان لأخیھ الإنسان، ولعل حلم الإنسان لتحقیق العدالة لیس ولید الیوم، ولكنھ
ضارب في تاریخ البشریة، نصادف في مساره ما یسمى قوانین حمورابي التي ستبلور مبدأ
العدالة حق لكل إنسان.
فالتاریخ البشري یمكن النظر إلیھ بوصفھ تاریخ الظلم وتاریخ الصراعات الدامیة من اجل
فرض معیار موحد للعدالة ولعل اختلاف المواقف والاتجاھات الفلسفیة التي تناولت ھذا
الإشكال تعكس ذلك الرھان
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى