www.ataleb.net
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
ataleb
Admin
عدد المساهمات : 2910
تاريخ التسجيل : 08/02/2014
https://achamel.ahladalil.com

 درس الحقيقة Empty درس الحقيقة

الثلاثاء أبريل 15, 2014 12:41 pm
الحقیقة

تعتبر إشكالیة الحقیقة مفتاح جمیع الإشكالیات الفلسفیة.فكیف ما كان نوع الإشكال، ونوع

الموضوع التي تبحث فیھ،یظل السؤال الأساسي ھو:ھل باستطاعتنا الحصول على معرفة حقیقیة؟و
حتى إذا ما أمكن ذلك، فما عساھا أن تكون طبیعة ھذه المعرفة:ھل ترقى لأن تكون معرفة كاملة
ومطلقة،أم أنھا لا تعدو أن تكون مجرد معرفة ناقصة ونسبیة؟وفي سائر الأحوال كیف یتأتى الوصول
إلى ھذه المعرفة؟وماھي أفضل السبل المؤدیة إلیھا:ھل ھي العقل وحده معتمدا على مبادئھ وأفكاره
القبلیة،یستنبط منھا،ویتقدم من المعلوم إلى المجھول،أم الحس وما یقوم علیھ من معطیات
وتجارب،أم الحدس وما یفرضھ من تعاطف وذوق ومشاركة وجدانیة؟
المحور الأول:الحقیقة و الرأي.
نتساءل في ھذا المحور عن ماھیة الحقیقة.ھل ھي معطى جاھز لا یحتاج إلى تحقیق أو تنقیب ، أم
أنھا بناء یتأسس على الانفتاح على استكشاف الواقع دون ما حاجة إلى أفكار قبلیة جاھزة؟
في ھذا الصدد نجد دیكارت یرفض تأسیس الحقیقة على الحواس لأن الحواس في نظره تخدعنا و
تقدم لنا حقائق ظنیة ینبغي تلافیھا رغم أنھ لا ینكر وجود العالم الحسي إلا أنھ لا یعتبره منطلقا
مضمونا لاكتشاف الحقیقة ، لأنھا في نظره من شأن العقل وحده وھو ما یقبلھ العقل تلقائیا دونما
حاجة إلى برھان فالحقیقة في الأصل لیست واقعا بل أفكارا في العقل ولما كانت الحدود بین الصادق
والكاذب من الأفكار لیست بینة منذ البدایة فإن الطریق إلى الحقیقة في نظر دیكارت ھو الشك
المنھجي ، والشك لا یتطلب خروج العقل من ذاتھ إلى العالم الخارجي بل یشترط فقط العودة إلى
الذات لإعادة النظر -مسح الطاولة- في كل ما لدیھ من أفكار بواسطة الشك المنھجي .و عملیة الشك
تنتھي إلى أفكار لا تقبل الشك ألا وھي الأفكار البسیطة الفطریة في العقل ( البدیھیات : الھویة عدم
التناقض الثالث المرفوع ..) وھي أساس الیقین فلیس تمة حقیقة إلا إذا قامت على ھذه المبادئ
والتي تدرك بواسطة الحدس العقلي ، وانطلاقا منھا یستنبط العقل بواسطة الاستدلال كل الحقائق
المركبة والممكنة یظھر أن العقل ھو مبدأ ومنتھى الحقیقة . لكن ما علاقة الحقائق المدركة بالعقل
بالواقع الموضوعي ؟ أمام معقولیة الحقیقة (الخاصیة الفكریة و المتمثلة في البداھة و الوضوح
العقلیین ) فإن مطابقتھا للواقع یدفع إلى طرح السؤال أي واقع تكون الحقیقة مطابقة لھ ؟ أھو
المشكوك فیھ (المادي) أم الخفي و كیف یطابق الفكر واقعا خفیا ؟ وكیف یمكن التحقق من ھذه
المطابقة ؟ یرى دیكارت انطلاقا من فكرة الضمان الإلھي أنھا علاقة تطابق فما دام العقل بفطریتھ
والواقع بخصائصھ وقوانینھ الموضوعیة یصدران معا عن أصل واحد (ھو الله ) فإن وحدة مصدرھما
ھي ضامن تطابقھما وبذلك اعتقد دیكارت أنھ قد حصن الحقیقة داخل قلعة الیقین التام (العقل) و لم
یعد ھناك مجال للشك ما دام قد قطع الطریق نھائیا عن الحواس.و لكن ھل تكون الحقیقة عقلیة بحتة
و كیف یمكن للعقل أن یدرك حقیقة الواقع دون الاتصال بھ مباشرة ، إنھ جانب غیر معقول في
عقلانیة دیكارت سیحاول كانط معالجتھ
لكن كانط سیعتبر أن الحقیقة لیست لا ذاتیة ولا موضوعیة ولیست معطاة أو جاھزة خارج الفكر
والواقع ولا داخلھ بل إنھا منتوج (بناء) إنھا حاصل تفاعل الفكر والواقع , یبنیھما العقل انطلاقا من
معطیات التجربة الحسیة مادة المعرفة التي یضفي علیھا الفھم الصور والأشكال .فالحقیقة تستلزم
المادة والصورة ، الواقع والفكر معا . وعلى ھذا المضي أضحت الحقیقة متعددة ونسبیة وغیر
معطاة بل لم تعد مطابقة الفكر للواقع بل انتظام معطیات الواقع في أطر أو مقولات العقل .
أما ھایدجر فیذھب إلى أن الحقیقة تتخذ طعما آخر ومفھوما جدیدا إنھا في نظره توجد في الوجود ما
دام ھذا الوجود لا یتمكن من التعبیر عن ذاتھ و الكشف عن حقیقتھ فإنھ یحتاج إلى من یقوم بذلك
والإنسان ھو الكائن الوحید الذي تتجلى فیھ حقیقة الوجود ، لا لأنھ یفكر وإنما لأنھ ینطق و یتكلم
ویعبر . فالإنسان في نظره نور الحقیقة في ظلمات الكینونة ، فالحقیقة لیست فكرا ینضاف إلى
الوجود من الخارج كما ادعى دیكارت و كانط، و إنما ھي توجد في صمیم الوجود نفسھ و لیس
الإنسان سوى لسان حال الوجود أو كلمة الوجود المنطوقة ، الأمر الذي یدل على أن الحقیقة ھي
فكر یطابق لغة معینة تعبر عن وجود معین أي كشف للكائن وحریتھ، أي استعداد الفكر للانفتاح
على الكائن المنكشف لھ ، و استقبالھ إذا ما تحقق التوافق و الانسجام.
المحور الثاني:معاییر الحقیقة.
إذا كان ھدف الحقیقة ھو معانقة الیقین في إنتاجھا لمختلف أصناف المعارف وفي مختلف الوسائل
للإقناع وبسط سلطاتھا المعرفیة، فإننا نكون أمام تعدد معاییر الحقیقة.فما ھو معیار الحقیقة؟ھل ھو
معیار منطقي أم مادي؟
یرى دیكارت أننا لا نخطئ إلا حینما نحكم على شيء لا تتوفر لدینا معرفة دقیقة عنھ ویعتبر أن
الحقیقة بسیطة ومتجانسة خالصة وبالتالي متمیزة وواضحة بذاتھا . فالحقیقي بدیھي بالنسبة للعقل
ولا یحتاج إلى دلیل ومتمیز عما لیس حقیقیا ، إنھ قائم بذاتھ كالنور یعرف بذاتھ دونما حاجة إلى
سند كما قال اسبینوزا ، واللا حقیقي كالظلام یوجد خارج النور .فالفكرة الصحیحة (الكل أكبر من
الجزء) صادقة دوما ونقیضھا خاطئ دوما .
في حین نجد ھیجل الذي بین عن طریق التحلیل الجدلي أن كل شيء یحمل في جوفھ ضده ویوجد
بفضلھ و ینعدم بانعدامھ ، ومن ھذا المنظور الجدلي فالخطأ ھو الضد الجدلي للحقیقة أي أساسھا و
مكونھا.
أما باشلار فیعتبر أن الحقیقة العلمیة خطأ تم تصحیحھ وأن كل معرفة علمیة تحمل في ذاتھا
عوائق ابستمولوجیة تؤدي إلى الخطأ وأول ھذه العوائق الظن أو بادئ الرأي وھذا یعني أن الحقیقة
لا تولد دفعة واحدة فكل الاجتھادات الإنسانیة الأولى عبارة عن خطأ واكتشاف الخطأ وتجاوزه ھو
الخطوة الأولى نحو الحقیقة.
ھكذا لم یعد ممكنا في المنظور المعاصر تصور الخطاب العلمي حاملا لحقائق صافیة مطلقة یقول
إدجار موران الذي یثبت أن فكرة الحقیقة ھي المنبع الأكبر للخطأ. والخطأ الأساسي یقوم في التملك
الوحید لجانب الحقیقة. إن النظریات العلمیة مثلھا مثل جبل الجلید فیھا جزء ضخم منغمر لیس
علمیا و لكنھ ضروري للتطور العلمي.
وعلى النقیض من كل الأطاریح السابقة فان نیتشھ یرى أن الحقائق مجرد أوھام نسینا أنھا أوھام
وذلك بسبب نسیان منشأ اللغة وعملھا لأن اللغة ما ھي إلا استعارات وتشبیھات زینت بالصورة
الشعریة والبلاغیة مما یجعل من الصعب التوصل إلى الحقائق بواسطة الكلمات أو إلى تعبیر مطابق
للواقع و للكیانات الأصلیة للأشیاء بالإضافة إلى نسیان الرغبات والأھواء والغرائز التي تحول دون
السلوك الإنساني وتدفعھ إلى الكذب والأخطاء ، بدل الكشف والإظھار وبذلك یصبح الطریق إلى
الحقیقة لیس ھو العقل أو اللغة بل النسیان و اللاشعور.
المحور الثالث: الحقیقة كقیمة:
إن اعتقاد الإنسان في الحقائق وسعیھ المتعطش وراءھا أمر ضروري لاستمرار الحیاة الاجتماعیة
والأخلاقیة كما تبین في المحور السابق ولعل ھذا ما یطرح مسألة الحقیقة كقیمة. فمن أین تستمد
الحقیقة قیمتھا؟ ما الذي یجعل الحقیقة مرغوبا فیھا وغایة وھدفا للجھد الإنساني؟
إن كانط یربط بین الحقیقة و أبعاد عملیة وسلوكیة دون أن یكتفي باستثمارھا المصطلحي
فقط في مسار اشتغالھ المعرفي ، ویحیل على السؤال الذي ینبغي أن تسترد بھ كل مبادرة
سلوك (ماذا لو فعل الناس جمیعھم ھذا السلوك؟) .من ھنا یظھر البعد الغائي و الوظیفي الذي
یتناول منھ كانط مفھوم الحقیقة ، وكذا باعتبارھا ارتباطا بالیومي و القانوني من أجل تحقیق
السلام الدائم .
أما كیركجارد فیرى أن الحقیقة لھا قیمة أخلاقیة إنھا فضیلة على الطریقة السقراطیة
قبل أن تكون مجرد معرفة ، فھي لا تنكشف في العقل ولا تدرك في الاستدلال وإنما تولد في
الحیاة وتعاش بالمعاناة .
الحقیقة لیست شيء ثابت إنھا حوار و اختلاف وھي ذاتیة لأنھا لا تتكرر في كل واحد منا،
إنھا أخلاق وفضیلة ولیست قضیة معرفیة وغایة مذھبیة بعیدة عن شروط ووجود الإنسان .
غیر أن ولیام جیمس فان فلسفتھ كانت ثورة على المطلق والتأملي و المجرد . فقیمة
الحقیقة ھي قدرتھا على تحقیق نتائج و تأثیرات في الواقع ، و بالنسبة لجیمس قد تكون تلك
نتائج مباشرة كما ھو في الواقع المادي ، وقد تكون غیر مباشرة بمعنى غیر فعالة بشكل
مباشر كحدیث ولیام جیمس عن تأثیر الإیمان بالله في الفرد بحیث ینحت داخلھ مجموعة من
القیم التي باكتسابھا تسود قیم من قبیل الخیر و الفضیلة .
لكن نیتشھ لھ رأي مخالف ففي تصوره ، مصدر الحقیقة ھو ذلك العود الأبدي للعصر
الھیلیني التراجیدي ، حیث الإقبال على الحیاة بآلامھا و آمالھا ، وحیث تسود الطقوس
الدیونیزوسیة ملغیة الوجھ الأبولوني للحیاة ، إنھا تأسس للإنسان الأعلى ، ورغبة في التفوق
و إرادة القوة ...
--------------------------------------
تقدیم اخر
الحقیقة كمفھوم تتجاذبھ مجموعة من الأقطاب الفلسفیة( عقلانیة، تجریبیة، علمیة...)وأكثر
ما خلفھ الاشتغال حول المفھوم ھو التباین وعدم الاستقرار على نتائج واحدة، ففي اللغة تشیر
الحقیقة إلى"ما أقر في الاستعمال على أصل وضعھ ،والمجاز ما كان بضد ذلك ، وحقیقة
الشيء خلاصھ وكنھھ" – حسب الجرجاني في التعریفات- وحسب ابن سینا فھي"موافقة ما
في الأعیان لما في الأذھان" أما بالنسبة لأبي حامد الغزالي" فحقائق الأمور ھي التي ینكشف
فیھا المعلوم انكشافا ولا یبقى معھا ریب ولا یقاربھا إمكان الغلط والوھم" كما جاء في المنقذ
من الضلال.
وفي الاصطلاح الفلسفي كما حدده لالاند في معجمھ ھي" خاصیة ماھو
حق ، وھي القضیة الصادقة وما تمت البرھنة علیھ ، والحقیقة بمعنى أعم ھي الواقع".
من خلال ھذه التعریفات یظنھ أن مفھوم الحقیقة ھو مجال ملتبس، تختلف أبعاد
تحدیده وفق طبیعة المرجع والمجال التداولي.
الإشكال
إن الالتباس الذي یحیط بمفھوم الحقیقة تزداد وطئتھ داخل السیاق الفلسفي ،
لتشابكھا مع باقي الحقول المفاھیمیة والمعرفیة : فھل الحقیقة معطى أم بناء؟ وما
معیارھا؟ وكیف تتحدد بالنظر إلیھا كقیمة
المحور الأول : الحقیقة والرأي.
موقف الفارابي :
الرأي بالنسبة للفارابي ھو خاص بالعوام ، أي أنھم یقتاتون معارفھم من ما ھو
شائع و عام و متداول كالخطابة و الشعر وحفظ الأخبار واللسان...، وھي لا تؤسس
لمعاني معقولة ، غیر أنھ بعد ذلك تشتاق النفوس إلى الأخذ بأسباب الأمور في
الطبیعیات والریاضیات ولیحصل الیقین فیھا وجب إتباع الطرق البرھانیة ، وھذا النحو
من المعارف خاص بالعوام .
موقف دیكارت:
ینتبھ دیكارت إلى أن الآراء الشائعة التي تداولھا أفھامنا تعود في أساسھا
إلى عدم الانتباه الذي نبدیھ أول ما نقیم یقیننا الصلب علیھا ، باعتبارھا معارف وعلوم .
ولتجاوز التغلیط والتضلیل الذي تعمل على إیقاعنا فیھ دوما یعید دیكارت في ھذه
المعارف من وجھة نظر أسسھا معتمدا في ذلك على الشك المنھجي الذي یروم امتحان
أسس المعارف.
یقول دیكارت" أنا أفكر إذن أنا موجود" فالذات تتحدد في أھم ممیزاتھا ألا وھي
التفكیر ومادام الشك عملیة تفكیریة في العمق فأن الشك الدیكارتي یطمح إلى بناء
معارف یقینیة لا تتحصل من خلال الحواس كآراء تغلط وتضلل بل كمعرفة تھدي إلى
الیقین ، فالمعرفة العقلیة التأملیة ھي أساس قواعد المنھج.
موقف لیبنتز:
إذا كان دیكارت فد أبدى تحفظا في إشارتھ إلى الآراء ، فلأن لیبنتز یراھن
علیھا كثیرا في بناء المعارف . فالرأي لھ القدرة على القیام بدور ثوري في تاریخ
الأفكار وتطور العقل البشري، وھنا یدلل لیبنتز بكوبرنیك الذي كان وحیدا في رأیھ .
إشادة لیبنتز بالرأي الذي یفضي إلى الاحتمال ربما لھ ما یبرره ، فداخل التیارات
الفلسفیة المعاصرة قد تم تجاوز مبدأ الوحدة و الذي طالما شكل قطب الرحى للفلسفة
المثالیة وعوض بمبدأ الكثرة الذي یقول بتعدد التفاسیر وتجاوز الإطلاقیة ، أي نسبیة
الحقیقة ومرونتھا وتعدد أوجھھا .
موقف كانط :
في الحس المشترك ، غالبا ما توصف الحقیقة على أنھا تبیان لرأي ما مما
یظھر نوعا من الترادف بین الاثنین، غیر أن كانط یحدث تمفصلا بین كل من الحقیقة
والرأي . ھذا الأخیر ھو انطباع شخصي وحالة ذھنیة ذاتیة تتمثل في الاعتقاد بصحة
قول ما ، ھذا التحدید في تصور كانط یبقى بعیدا وغیر موضوعي وإن كان یعد معرفة ،
فحتى یصیر الرأي حقیقة یقینیة یجب أن تربطھ بھا صلة على شكل قانون یقیني ، لأنھ
في حالة غیاب أي ارتباط تبقى المسألة مجرد لعبة خیالیة وكنھ ھذا الارتباط ھو الكونیة
والضرورة ، فالضروري یلزم أن یكون معروفا بشكل قبلي و من تم یحصل الیقین التام
الذي یقود إلى الحقیقة، غیر أنھ في الریاضیات من العبث تكوین آراء فالأحكام ھنا
تصدر عن العقل الخالص .
موقف غاستون باشلار:
یمیز باشلار بین المعرفة العلمیة والمعرفة الناتجة عن الآراء المسبقة ، التي تقوم
على الإعتقادات الرائجة عند جمھور الناس . حیث أن المعرفة العلمیة محكومة بھاجس
التجاوز والتقدم والمراجعة لكل المعتقدات التي تحصلت لدینا" إن معرفة الواقع ھي
بمتابة تسلیط الضوء یترك بعض الظلال" والممارسة العلمیة من خلال اجتھادھا في
تحسین مستوى منھجھا وباقي أدواتھا اللازمة في مسار تجاوزھا للأخطاء ومراجعتھا
للمعتقدات وتمظھراتھا :
*إن الرأي یفكر تفكیرا ناقصا ، بل إنھ لا یفكر .
*إن الرأي مرتبط بالمنفعة والفائدة الآنیة رغم تأسسھا على التناقض .
* الرأي عائق بین الباحث العلمي و الحقیقة ، لأنھ یتخذ صورة
معرفة لكنھا زائفة وتستبطن كل التمثلات الخاطئة والتلقائیة.
إن العلم ھو غزو العقل لدائرة اللاعقل ، وتاریخھ ھو تاریخ انتصار للمعقولیة
والعقلانیة لأنھ " لا شيء في العلم یسیر بدیھیا من تلقاء ذاتھ... بل إن كل شيء فیھ
منشأ ومبني ".
المحور الثاني : معاییر الحقیقة
موقف دیكارت :
یمیز دیكارت بین سبیلین نحو الحقیقة وھما الحدس والاستنباط ، الأول ھو
الوصول إلى البداھة الشاملة المحققة لكل مطالب الذھن الیقظ ، من وضوح وبساطة
وإقصاء لكل معطیات الحس وتركیبات المخیلة . أم الاستنباط فھو حدس غیر مباشر
ینطلق من مقدمات یقینیة أو مسلمات متأسسة على الحدوس تنتقل من حد إلى حد
بحركة متصلة(الاستدلالات) حتى یصل الاستنباط الى غایتھ وھو الحدس المركب ، لذلك
فإن الحركة العقلیة مبدأھا حدس ومنتھاھا حدس .
موقف لیبنتز :
إذا كان دیكارت قد تحدث على معیاري الوضوح والتمایز على أساس أن الفكرة
الواضح ھي التي تدرك بداھة ودون وساطة ولا یتطرق الشك إلى صدقھا ، نجد لیبنتز
ینتقد ھذا التصور الدیكارتي ویرى مقابل ذلك أن الحقیقة تعتمد المنطق والبرھان قصد
الفصل بین ما ھو حقیقي و ما ھو غیر ذلك ، بمعنى أن لا نقبل أي شيء یكون فیھ خلل
على مستوى المادة والصورة ، وذلك الفصل لا یكون إلا بتقدیر درجة الاحتمال الموصلة
الى الیقین . وأساس ھذه النتیجة لدى لیبنتز ھي نظریات "المونادات" ، فالعالم ھو
مجموعة وقائع ذریة منفصلة بعضھا عن بعض ، وھي غیر مكتفیة بذاتھا بمعنى أنھا
حتى تظھر تحتاج الى بعضھا البعض.
موقف سبینوزا :
یرى باروخ سبینوزا من داخل التیار العقلاني أنھ ھناك تلازم حتمي بین
الفكرة الصحیحة والاعتقاد بصدقیتھا الى درجة الیقین ، وھذا بفعل حیویة التفكیر
وملكة الفھم ، وبالتالي استحالة إقرار سمة الیقیني على الأفكار الخاطئة ، خصوصا بین
الفرد وذاتھ ، فالفكرة الصادقة لھا الوضوح ما یمنع عنھا كل مغالطة لذات .
وھذا ما یجعل الحقیقة تستلھم معیاریتھا الخاصة من ذاتھا ، وھذا شرط ضروري
حتى لا تصبح في مستوى واحد مع الأفكار الخاطئة اذا ما كان التأسیس للقیمة من خلال
المطابقة مع الواقع الخارجي .
موقف دیفید ھیوم :
ینطلق ھیوم من ملاحظة أن الفلسفة كما مورست ووفق ما انتھت إلیھ ، لا تشكل
معرفة حقیقیة واضحة لأنھا لم تھتم إلا بالأشیاء البعیدة عن الواقع الحسي المباشر : الله
، الروح ، العلیة... ، ھي موضوعات تم تناولھا بشكل موغل في التجرید والغموض ،
لدى لا یجب على الفلسفة أن تقوم بتحلیل شامل لقدرات الفھم البشري من أجل تشخیص
إمكاناتھ في علاقتھ بھذه الموضوعات .
من خلال ھذه الأفكار التي توضح وجھة ھیوم في إطار مھمتھ النقدیة سیمیز في
موضوعات العقل البشري بین :
*موضوعات تتأسس على العلاقة بین أفكار محددة ودقیقة .
*موضوعات أخرى تقوم على العلاقات بین الوقائع .
الموضوعات الأولى تدرسھا العلوم الریاضیة فتعبر عنھا قضایا ریاضیة ، أما الثانیة
فلا تدرسھا العلم التجریبة والأخلاقیة وحدھا بل ھي تشكل موضوع حیاتنا العملیة ،
لیبقى معیار الحقیقة عند ھیوم متفرعا إلى :
* حقائق تستند على أساس تجریبي یضمن یقینھا بالإضافة إلى مبدأ عدم
5 + التناقض المنطقي الذي تقوم علیھ ، نموذج ذلك المعرفة الریاضیة 4
9 *حقیقة تقوم على الشرط التجریبي فقط ، لا تخضع لمبدأ عدم =
التناقض (الشمس ستشرق غدا) .
موقف إمانویل كانط :
یتحدث كانط عن كونیة المعبار المؤسس للحقیقة بتفریع الإشكال إلى طرحین :
-1 ھل ھناك معیار كوني ومادي للحقیقة ؟
-2 ھل ھناك معیار كوني وصوري للحقیقة ؟
في تصور كانط من غیر الممكن أن یوجد معیار مادي وكوني للحقیقة لأن القول
بذلك یقتضي عدم التمییز بین الموضوعات ، وھذا نوع من العبث أن نتجاوز كل اختلاف
بینھا .
في مقابل ذلك إذا كان الأمر یتعلق بمعاییر صوریة وكونیة فمن الیسیر أن نقر بجواز
ذلك لأن الحقیقة الصوریة تكمن في مطابقة المعرفة لذاتھا ،ومن تمت یكون المعییار
الكوني الصوري لیس شیئا غیر المعیار المنطقي اأي القانون الكلي للفھم و العقل .
موقف فتجنشتاین :
ضد أي نزوع مثالي ، أھتم الفلاسفة التحلیلیون ورواد الوضعیة المنطقیة
بمسألة تحلیل اللغة وأنھ لا توجد مشكلات بقدر ما ھناك سوء فھم اللغة .الأمر الذي
سیحدو بفتجنشتاین إلى جعل المنطق الریاضي الآلة العمدة في التحلیل ، فمعیار صدق
الفكرة وبطلانھا ھو مدى قابلیتھا للتحقق تجریبیا ، مركزا بشكل كبیر على تحلیل البناء
المنطقي للغة القضایا ، والھدف من التحلیل ھو الوصول إلى الدقة و الوضوح وتجاوز
الإبھام و الغموض ، وتخلیص اللغة من الشوائب المیتافیزیقیة .
فالقضایا الكاذبة أو الفارغة من المعنى ھي التي لا تعبر عن أشیاء واقعیة یمكن
الإحالة علیھا أي أن بنیتھا التركیبیة لا تسعفنا ألى أي دلالة ممكنة (مثلا : الأفكار
الخضراء تنام غاضبة) .
موقف فتجنشتاین قد یبدو مغریا على مستوى التحلیل غیر أنھ سرعان ما اعتبر
تحلیلا مھزوزا . فرغم الاعتراف بالأھمیة التي تلعبھا التجربة في تمحیص الأفكار ،
فھذا الموقف یبقى تعسفیا خصوصا أنھ یعتبر القضایا الوجدانیة والعاطفیة والمواقف
الشعوریة ... قضایا میتافیزیقیة خاویة من المعنى ، وفي ھذا إفقار للواقعیة واختزال
لاختلاف الموضوعات وإفراغھا من منطقھا الخاص .
المحور الثالث : الحقیقة كقیمة
موقف كانط :
إن المیول أو المصالح أو السیاقات أو الظروف لا أھمیة لھا في إعتبار التصور
الأخلاقي المطلق الذي یحدد بھ كانط مفھوم الواجب ، فالقول الحقیقة والتمسك بھا
واجب یتعین التاسیس لھ وإقامتھ على عقد قانوني مثین ، من ھنا یصبغ كانط فھمھ
للحقیقة بطابع أخلاقي یتشكل في أبعاد مطلقة یجب الالتزام بھا ، لأن القوانین المشرعة
بناء على نصوص ملزمة و الواجب القانوني یستند في عمقھ على الواجب الأخلاقي
الذي یرتبط بالإرادة و الإلتزام .
فالفعل/السلوك نابع من كونھ غایة في ذاتھ بغض النظر عن النتائج ، ووسیلة لا
تخضع للمزایدات و الظروف .
فكانط یربط بین الحقیقة و أبعاد عملیة وسلوكیة دون أن یكتفي باستثمارھا
المصطلحي فقط في مسار اشتغالھ المعرفي ، ویحیل على السؤال الذي ینبغي أن تسترد
بھ كل مبادرة سلوك (ماذا لو فعل الناس جمیعھم ھذا السلوك؟) .من ھنا یظھر البعد
الغائي و الوظیفي الذ یتناول منھ كانط مفھوم الحقیقة ، وكذا باعتبارھا ارتباطا بالیومي
و القانوني من أجل تحقیق السلام الدائم .
موقف نیتشھ :
في مقابل ھذا الإتجاه یؤسس فریدیرك نیتشھ اتجاھا جذریا للحقیقة ومتوخیا
البحث عن غایتھا و أصلھا ، إن الحقیقة كما ھي لیست أكثرمن أوھام ثبتت صحتھا في
معركة الصراع.
إن قیمة الحفیقة یجب أن تكون مبنیة على الغرائز وتثویر لھا ولیس على العقل كما
أسس لھا سقراط وأفلاطون ، الذین أحدثا طلاقا بین الحیاة والفكر ، لفد أسسا لحقیقة في
معناھا الضیق
تنشد ضد البقاء و السلم و التعایش مع الآخرین ، في شكل استیعارات وتشبیھات
وتجمیلات شعریة بلاغیة ، صارت إلزاما على المجتمع .
في تصور نیتسھ مصدر الحقیقة ھو ذلك العود ال أبدي للعصر الھیلیني التراجیدي ،
حیث الإقبال على الحیاة ب آلامھا و آمالھا ، وحیث تسود الطقوس الدیونیزوسیة ملغیة
الوجھ الأبولوني للحیاة ، إنھا تأسس للأنسان الأعلى ، ورغبة في التفوق و إرادة القوة
...
موقف ولیام جیمس :
فلسفتھ كانت ثورة على المطلق والتأملي و المجرد . فقیمة الحقیقة ھي قدرتھا
على تحقیق نتائج و تأثیرات في الواقع ، و بالنسبة لجیمس قد تكون تلك نتائج مباشرة
كما ھو في الواقع المادي ، وقد تكون غیر مباشرة بمعنى غیر فعالة بشكل مباشركحدیث
ولیام جیمس عن تأثیر الإیمان بالله في الفرد بحیث ینحت داخلھ مجموعة من القیم التي
باكتسابھا تسود قیم من قبیل الخیر و الفضیلة .
موقف كیركیكارد :
الحقیقة لھا قیمة أخلاقیة إنھا فضیلة على الطریقة السقراطیة قبل أن تكون
مجرد معرفة ، فھي لا تنكشف في العقل ولا تدرك في الاستدلال وإنما تولد في الحیاة
وتعاش بالمعاناة .
الحقیقة لیست شيء ثابت إنھا حوار و اختلاف وھي ذاتیة لأنھا لا تتكرر في كل واحد
منا ، إنھا أخلاق وفضیلة ولیست قضیة معرفیة وغایة مذھبیة بعیدة عن شروط ووجود
الإنسان .
موقف مارتن ھایدیجر :
إن الحقیقة المكتفیة بذاتھا لیس بوسعھا تجاوز العوائق التي تحول دون
تحققھا ذلك أن الحقیقة كمجال تعانق الخطأ و الوھم ، بل إن الحقیقة في صمیمھا تستقر
اللاحقیقة في دروب التیھ .إن النظرة إلى الشيء تحول الشيء إلى مجرد مظھر ،
والفكرة المیتافیزیقیة للحقیقة تقتصرعلى إقامة علاقة حیویة أو تطابق مع الواھر
الملاحظة ، لكنھا بھذا تغفل الظاھرة الأصلیة وھي ما سماھا ھایدیجر " السر" ، ذلك أن
الإنسان لا یستشعر بكینونتھ التائھة في سدیم الأوھام أو المستمسك بالحقائق الزائفة ،
لھذا كان الوعي بحالة التیھان ھو أولى الخطوات نحو الحقیقة لأن ھذه الإخیرة ھي الفعل
الدینامیكي الذي یجعل الأشیاء تنبثق على ضوء یقظة فكرنا لیفھم الوجود ، كما أن
الحقیقة ھي كشف الحجاب الذي یخرج الوجود من النسیان ، ولا أحد یمتلك ھذه
الحقیقة وإن كنا نسیر عاى ضوئھا .
من ھنا تتبدى أھمیة الحریة كقدرة بفضلھا ننفتح عن الأشیاء ویكشف لنل الوجود ،
والوصول للأشیاء لیس ممكنا إلا لأننا نملك ملكة الكشف وھي الحقیقة التي تعصمنا
التیھ .
موقف إیریك فایل :
إذا كان كل خطاب یدعي تضمن الحقیقة أو یقاربھا ، وإذا كانت الفلسفة كمعرفة
اتخذت من الحقیقة غایتھا وأقصى مطالبھا فإن غیابھا كقیمة علیا ضروریة فإن نتیجتھ
لا تكون ھي الخطأ ، بل عاقبة ھذا الغیاب ھو العنف أي الخصم اللذود للمعنى و للإتساق
المنطقي والحجاجي . یكون أثر العنف على جھتین : جھة سلبیة الفعل و اللغة، ثم جھة
الرؤیة السطحیة والقاصرة على طرح الأسئلة الكاشفة للجوانب المعتمة والمغیبة .
كما أنھ لا یمكن الفصل بین الخطاب ومنتجھ ، لأنھ ترجمة لذاتیة المنتج وبھذا تنتفي
الدعوة الكلاسیكیة التي مفادھا : مطابقة الفكر للواقع ، لأن الأحق بھذه المطابقة ھو
الإنسان مع فكره أي مع التعقل .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى